
إلى النور مجدداً، أخرج مركز رؤية للتنمية السياسية، كتابه الجديد تحت عنوان “دور المنظمات غير الحكومية في صياغة التوجهات السياسية الفلسطينية”، الكتاب الذي شارك في إعداده وإخراجه ثلةٌ من الباحثين والمتخصصين الفلسطينيين ألقى الضوء على ستارٍ خفي في المجتمع الفلسطيني، وعلى دور لاعب يظنه البعض ثانوياً، لكن قدرته على تشكيل الحياة والمستقبل الفلسطيني يشي بأساسيته، وبأنه أكبر من مجرد “منظمة غير حكومية”.
في لقاء مع “إشراقات” أشار الباحث المشارك في الكتاب “محمد القدومي” إلى أن الكتاب حاول تغطية مختلف الأوجه فيما يتعلق بدور وعمل المنظمات الأهلية الفلسطينية، وعن القسم الذي تناوله تحت عنوان “المنظم3ات الأهلية الفلسطينية كمنبر سياسي حر للشباب”، فهو يسعى لفهم الظروف الداخلية والخارجية لهذه المنظمات ودورها السلبي أو الإيجابي في تعزيز الشباب وفعاليته في الحياة السياسية، وقد اعتمد الباحث في دراسته تحليل عدد من الأدبيات إضافةً لمقابلات مع مختصين، ورصد الأدلة التي توصل لها في ضوء الوضع العربي العام والفلسطيني الخاص، وهدف الباحث من خلال المادة التي قدمها إلى دفع المنظمات الأهلية إلى إنهاء الحالة العشوائية وتكريس وجودها لتنمية دور الشباب ومشاركتهم السياسية الفاعلة.
دراسة القدومي قدمت عدة نتائج، تُعد ناقوس خطر يدق في أذن المنظمات الأهلية، وأبرزها أن “المنظمات الأهلية لم تقم بدورها نحو التقدم في إقرار الديمقراطية، أو تعزيز العمل الجماعي والشراكة السياسية، بل ساهمت في تكريس السلطوية بشكل متزايدـ وأنها تواصل تجاهل الشباب سواء من خلال غياب البرامج التي تهتم بهم، أو لانعدام مشاركة الشباب في قيادة وإدارة تلك المنظمات”.
من جانبه فسر الأستاذ عزيز كايد، المشرف على تحرير الكتاب وإخراجه، أن تخصيص مركز رؤية لمادة بحثية وكتاب مرجعي للحديث عن المنظمات غير الحكومية ما هو إلا انعكاس لدور هذه المنظمات، معتبراً أنها ملف حاضر دائما لدى الجهات المعنية، ولا شك أن هذه المنظمات تتفاوت في أدائها ونجاحها وفشلها، فهناك مؤسسات ناجحة وتؤدي دورًا على مستوى معين، وهناك مؤسسات ليس لها تأثير حقيقي، بل ربما يعكس أداؤها صورة سلبية، وهي تحتاج إلى تصويب. ومتابعة حقيقية من الجهات المعنية، مؤكداً أن التصويب ممكن، بل وضروري، وخاصةً على مستوى كل من التحرير والتنمية، حتى لا تكون مجرد مؤسسات تقوم بتلقي الأموال ودفع الرواتب، وحتى لا تغدو أداة مسيئة للقضية الوطنية، من خلال التزامها بالتمويل المشروط وتوجهاته المريبة.
وعن مضامين الكتاب، فقد وجد كايد أنها متوازنة وشاملة، فهي تتناول فكرة توزيع القوى داخل المجتمع الفلسطيني، وموقع المنظمات غير الحكومية في المجتمع، ودور هذه المنظمات في صنع القرار السياسي، وعلاقتها بالمستوى السياسي، والأحزاب والفصائل، والانقسام والمصالحة. كما تتناول من ناحية أخرى إشكاليات “تأبد القادة”، والأولويات، والإغراق المالي، والتمويل الأجنبي المشروط، وسوء الإدارة المالية، وغيرها. وكذلك علاقة هذه المنظمات بالمرأة والشباب. وتناقش المضامين أيضا التمويل الأجنبي: هل هو انبعاثات تنموية أم كولونيالية جديدة؟
أما عن آلية اختيار الكتاب والباحثين، فقد تمت بناءً على معايير تخصصية تضمن امتلاكهم للقدرة والكفاءة المطلوبة لإعداد الأوراق البحثية، وعن رأيه الشخصي قال كايد: “بتقديري كان كل منهم مناسبًا للموضوع الذي اختص به”.
ويأمل كايد أن تصل الرسائل والنتائج المتضمنة في الكتاب إلى الجهات المعنية، فتأخذ الدروس الضرورية في النظر إلى هذه المنظمات والمؤسسات من الجوانب الإيجابية فتدعمها، والسلبية فتمنعها، معتبراً أن الجهات المعنية ليست هي المنظمات الأهلية فقط، إنما أيضاً الجهات الرسمية، والمثقفون، والأحزاب، وحتى المانحون؟
وفي الصعيد نفسه يشير الباحث المشارك في الكتاب محمد دار خليل إلى أن الحالة الفلسطينية تفتقد وجود حالة من الرقابة على أداء أجهزة الدولة أو على السوق، سواءً بشكل تطوعي أو جمعي، وغياب هذا النوع من الرقابة يضعف من سلطة القانون ويؤدي إلى تزايد حالات خرقه والتلاعب في السياسات الصادرة عنه، ويحولهم إلى أفراد هامشيين في صياغة سياسات وتوجهات دولتهم، وهو الأمر المطبق حالياُ، حيث تستفرد السلطة أو بعض الأحزاب السياسية برسم السياسات المختلفة دون الأخذ بعين الاعتبار أهمية إشراك المجتمع المدني كممثل لكافة الشرائح المجتمعية المختلفة، وهذه النقطة هي إحدى الجوانب التي يناقشها الكتاب، ويحاول تشخصيها ومحاولة فهم سبب غياب المجتمع المدني عن دوره الأساسي في صياغة التوجهات السياسية الفلسطينية.
وكان الباحث المرحوم ماهر الدسوقي قد شارك في هذا الكتاب بالجزء المعنون بـ “حدود المدني والقبلي في المنظمات غير الحكومية” وتوصل إلى أن المجتمع الفلسطيني ما زالت القبلية تتحكم فيه، ومتغلغلة في بنيته، على الرغم من تطوره نحو المجتمع المدني بشكله الحداثي، معتبراً أن المجتمع المدني الفلسطيني هو مؤسسات قبلية تلبس ثوباً حداثياً ليس إلا.
ويتوقع الباحث دار خليل وصول الكتاب في وقت وجيز إلى فلسطين وانتشاره في المكتبات، خاصةً بعد الإهتمام الذي لقيه إخراجه إلى النور، مؤكداً أن من المبكر قياس أو تحديد حجم تفاعل المجتمع المدني الفلسطيني والمنظمات الأهلية معه.