كتب قيمة

قرأت لكم من كتاب “نظرية المؤامرة في القرآن الكريم”

قرأت لكم
من كتاب “نظرية المؤامرة في القرآن الكريم”
صدر هذا الكتاب عن مؤسسة فلسطين للثقافة، عام 2015 .
للكاتب: الأسير المقدسي محمود عيسى

بين صفحات هذا الكتاب أبحرت دون سابق إنذار وقد وقع بين يدي مصادفة إذ كان على رف مكتبة صديق عزيز، يشكو الوحدة واللامبالاة، يكسوه بعضاً من غبار المكان، وقَعَتْ عليه عيني وأنا اتحدث معه في بعض ما يهمنا، لأنصرف عن هذا الصديق وألتقط هذا الكنز، مغيراً مجرى حديثنا لأغتنم هذا الكنز.
سارعت لأستأذنه باستعارة كتابه فاجابني إلى مبتغاي، لتبدأ مع صفحات هذا الكتاب قصة جديدة أبحرت خلالها أبحث عن بعض ما قد يحتويه من ومضات ونفحات، فلا تعدم الحكمة في كتاب ولا تنقطع المنفعة من قراءة.
شدني في هذا الكتاب ما حواه العنوان من تشويق، فنحن في زمن كثرت فيه المصائب والنكبات، حتى أصبح الحليم فيه حيران، والحكيم لا يعرف سبيل النجاة، ففي زمن كثر فيه الهرج والمرج، والقتل والقتال، تعصف بالنفس أسئلة تكاد تُذْهِبُ الروحَ من كثرتها، لا تكاد تخرج من دوامة إلا وتقع في أخرى أعمق وأقسى، فلماذا هذا الموت في الارجاء؟ ولماذا المسلمون يرزحون تحت وطاة الظلم؟ ولما لا نستطيع الانعتاق من هذه الدوامة المرعبة؟ ومن المسؤول عما نحن فيه؟ هل هي المؤامرة حقاً؟ أم نحن المسؤولون؟ وإذا كانت المؤامرة، فما المؤامرة؟ وما تعريفها؟ كيف السبيل لمواجهتها؟ وهل نستطيع هزيمتها؟ بل كيف تعامل الإسلام مع هذه الظاهرة؟
فسبحان الله من بين أنياب المحنة يقطر شهد المنحة،كيف لا وقد قال تعالى في محكم تنزيله “فإن مع العسر يسرى، إن مع العسر يسرى”، فعرف العسر في الحالتين وجعل اليسر من غير تعريف ليجمع العسر باليسرين، فخرجت علينا صفحات هذا الكتاب من بين زنازين الاحتلال نوراً وضاءً يحمل بين جنباته وسطية التفكير ورجاحة المنطقة وقوة الحجة، حيث وزع الكاتب فصول كتابه على نحو جميل، ليفرد الفصل الأول للحديث عن نظرية المؤامرة مفهومها وأصلها، وتأصيلها الشرعي ليتطرق خلال هذا الفصل للحديث عن أصناف الناس ونظرتهم لهذه النظرية بين منكرٍ لها إجمالا، يجلد الذات وينفي تآمر الغير، وبين مصدقا لها إطلاقا، يعزو كل حدث أو نكبة أو ضيق يلحق بالأمة لها، وبين من وازن في رؤيته وعرف متى تكون المؤامرة ومتى ويكون الخطأ الذاتي، ليخلص أن التآمر على الأمة موجود، لكنه ليس السبب الوحيد للتراجع والضعف الذي نعيشه، فهناك أخطاء ترتكب، وزلات تحصل من قبل المسلمين أنفسهم تؤخر النهوض والتقدم.
ليتحدث بعدها في الفصل الثاني عن أقسام المؤامرة وأشكالها، من السياسية إلى الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، لينتقل بعدها في فصله الثالث للحديث عن آليات تحصين المجتمع من ضد هذه المؤامرات وكيف واجه المنهج القرآني المؤامرات باشكالها، حيث نظم شؤون المجتمع وعلاقاته الداخلية.
أما الفصل الرابع فقد خصه لقراءة المؤامرات في القصص القرآني، آخذاً سورة يوسف نموذجا فسره وحلله بطريقة شائقة، ليخلص بالعبر والدروس، وقد وفق الله كاتبنا لما فيه خير بهذا الكتاب، وفتح آفاق وتساؤلات كثيرة، ليكون بداية في طريق النهوض، وبداية دراسات نحتاجها في مجال لم يطرق سابقا، فمثل هذه الدراسات أولوية للمسلمين للنهوض وتشخيص الداء لانتقاء أفضل دواء.
فأنصحكم أيها الأحباب بقراءة هذا الكتاب ففيه من الآفاق دروب، وفيه من الومضات ما يلهب العقل بالتفكير، يجعل القارئ مستمتعا بقراءته رغم عديد صفحاته التي تجاوزت الثلاثمائة، لكن في النهاية فمثل هذه الكتب تستحق القراءة بل والدراسة والتنقيح ليضاف لها ما نقص ويستفاد مما حوت.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى