“شيفرة بلال” لأحمد خيري العمري

“لم أعد أريد القراءة ولا أريد رؤية الكتاب بعد الآن” كان أول قرارٍ آخذه بعد تخرجي من المدرسة، أردت الراحة فقط، أردت الهروب منها دون سببٍ يذكر، لا أعرف ماذا كنت أفكر حينها، ولكن اتخذت هذا القرار الساذج ولم أستمر به طويلاً، والسبب حبي للقراءة وشغفي بها، ومن أوائل الكتب التي بدأتُ قراءتها كان كتاب “استرداد عمر” للكاتب “أحمد خيري العمري” وهو من الكتب الجميلة التي قرأتها وقد امتازت بإعادة صياغة الماضي بطريقة يفهمها جيل اليوم بعيدًا عن السردية التقليدية التي يقدمها البعض، وكانت السبب الرئيس في بعثِ شغفي بالقراءة من جديد.
ويقدم العمري رواية جديدة بعنوان “شيفرة بلال” التي ربط فيها قصة بلال الحبشي ببلالِ لا توجد له صلة به غير الاسم فقط، وجيل مختلف تمامًا عن جيل بلال الحبشي، فيقدم الكاتب “بلال بن رباح” الشخصية التاريخية كأنها الإجابة عن الأسئلة الحقيقة التي تطرحها نفسكَ من خلال شخصياتٍ اعتبارية؛ ففي هذه الرواية لن تقابل أحد غير نفسك ولن تعيش حياة أحد أو تدخل عقل أحد، فقط نفسك، فهناك تقابل بلال الصغير الذي يعبر عن نفسك البسيطة الساذجة، وأمجد المتردد والمتشكك الذي يعبر عن صراعك الداخلي وارتباكك وتحليلك النفسي لحياتك، وأحيانًا أخرى تجد نفسك في “لاتيشا” التي تحاول تحمّل الضربات والالام والصدمات والتناقضات الهائلة التي تتعرض لها في الحياة.
وكل صفحة ٍمن الرواية تعبر عن ألمٍ داخليٍ عميق، تجعلك في ذهول كبير، فترى نفسك في موقف “لاتيشا” أثناء صدمتها في معرفة مرض ابنها بلال، وكيف تمثلت الصدمة بتساؤلها “كيف يكون هذا الطفل البريء الوسيم مريضًأ وبمرض السرطان!” “لماذا طفلي أنا؟”، عن نفسي تعرضت لموقفٍ شبيه، وأعرف أن الكثير منا مر بشبيه هذا الموقف ومن الممكن الموقف نفسه أو تجدَ تساؤلاتك أنفسها بتساؤلاتِ أمجد “لماذا البشر يؤمنون بالله؟ “لماذا يحتاجونه؟” وكل هذه الأحداث التي تحدث معك في خضم قراءتك لرواية، يعطيك بلال الحبشي نظرةً عن الأجوبة التي من الممكن أن تعتبرها أجوبةٍ لأسئلتك المطروحة.
ففي ثبات بلال أمام الصخرة وجعلها كرمزًا للقوة التي كسرة إرادة أمية في عزم بلال، أو مثال صخرة سيزيف (أسطورة يونانية) للعبث و اللاجدوى، ففي حياة كل منا يملك الخيار، فإما أن تقود حياتك باتجاه النجاح نحو عمل أو هدف ما أو تقضي حياتك في العبث و اللاجدوى، وهناك دائمًا قضية ما صعب التعامل معها، ولديك الوعي النابه في اختيار طريقك لتعامل معها، في النهاية أنت صاحب القرار.