تربوية
الملوثات السمعية

قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم: (ليسَ المؤمنُ بالطّعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء).
إنّ الألفاظ البذيئةَ نمطٌ من أنماطِ السّلوك السّيءِ ،والتي انتشرت بين أبنائنا بشكلٍ واسعٍ دونَ معرفةِ ماهيّة هذا اللفظ أو التفكير في دلالته، ودون أدنى اهتمام لحجم ما يخلفه على الصعيدين الشّخصي والمجتمعي .
قال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف، إن داء الألفاظ البذيئة من مساوئ الأخلاق ، حيثُ غدت وسيلةً مساغةً جداً للتحدث ، وفي بادئ الأمر يتحكم الإنسان في استخدامه لها، فيظهر ذلك في مواقفَ محدودةٍ وأمام أشخاصٍ معينيين، ولكنها ما تنفكُ لتصبحَ كالإدمان ، تحتلُ لسانَ قائلها ويعتادُ عليها، لتصبح جزءاً أساسياً من قاموسه اللغوي، ولا يعطي لنفسه أدنى فرصة للتفكير قبل لفظها فيسب ويلعن ويشتم دون حياء للجهر بها ،لأن لسانه قد تعودها، وطبعه قد أُشربها، فأصبح يتشدقُ بها طول نهاره،ويفتخر بها بين أقرانه، وصف للعورات ، وتتبع للزّلات وقذف واستهزاء ، لا يستحي من خالقه، ولا من رجل ولا امرأة، لا يعرف وقاراً لصغيرٍ أو كبير، فالسّب شعاره ، والشّتم دباره، لا يمنعه عن ذلك عقل ولا مروءة ولا دين.
عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الحياء من الإيمان ، والإيمان من الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء من النار) ، فالله سبحانه وتعالى لا يحب الجهربالقبح من القول، إلا من ظلم، فيجوز للمظلوم أن يخبر عن ظلم الظالم وأن يدعو عليه، وفي ذلك قول تعالى:(لا يحب الله الجهر بالسّوء من القول إلا من ظلم وكانَ الله سميعاً بصيراً) .
خلال تعاملنا اليومي وفي كثير من المواقف، نحن عرضه لسماع هذه اللغة الصفيقة، التي إما أن تكون مزاحاً وأحياناً بطريقة جدية ، وكلاهما فعلياً يؤذي الأذن والنفس معاً، باختلاف أنواعها ، فمنهم من يستخدم الحيوانات كأداة لها، ومنهم من يستخدم المواد الإخراجية، أو الجنس مثلا، وآخرون يستخدمون النّسب، الذي يعتبر حالةً خاصةً من الشّتم، لما فيه من تطرق لنسب الشخص وعائلته.
يلجأ الأفراد على اختلاف أعمارهم إلى استخدام هذه الألفاظ لعدة أسباب أذكر منها :قلة اهتمام الأهل وخاصة عند فئة الأطفال فيلاحظ أنه يحاول أن يستفز والديه للفت انتباههم، أو أنّ ذلك في الأصل تقليداً لوالديه أو للآخرين من الزملاء والأصدقاء والأقارب ،ومخالطة أقران السوء ، أو الفاسدين في الشارع أو المدرسة ، و متابعة بعض المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام الحديثة أو شاشات التلفاز التي تنتشر عليها الألفاظ والكلمات غير اللآئقة بكثرة ، مما يفتح آفاقاً واسعةً من هذه المصطلحات ويثري القاموس اللغوي لدى مشاهديه.
إن هذه الملوثات السمّعية لها آثار مدمرة، فبقدر ما تضحك الشتائم من حولك في مواقفَ مختلفة وأمام أشخاصٍ تعرفهم ، تنعكس الأمور رأساً على عقب أمام آخرين لا يعرفونك ، مما يعرض العلاقات إلى التدمير والفشل، ويوقعها ضمن دائرة الخطر مما تنقله من صورة سلبية عن الآخرين، وبما تسببه من جرح لمشاعر الأفراد، كما أنها تؤدي إلى إنشاء جيل غير واعٍ ولا مدرك لما ينقله من هذه الشتائم دون فهم ووعي لها، فالشتيمة تفريغ لما في داخل الإنسان وليست علاجاً للمشاكل كما يعتقد البعض ،إضافة إلى أنَّ الشتائم تضعف الشخصية، حيث أنَّ المتفوّه بها يستخدمها كسلاحٍ يتقوى بها على خصمه، وتعودُهُ عليها يمنعه من استخدام الطرق العلاجية السليمة الأخرى في حياته، وخاصة في إطار حل المشاكل، فالألفاظ النابية تعيقُ الحوار، وتمنع تواصل الشّخص مع غيره، فهي طريقة عدوانية للتعبير عن النفس.
ولكن كيف لنا أنْ نقننَ من هذه الملوثات، وكيف لنا أنْ نطهّرَ الألسن ونقوم الإعوجاج ؟وكيف يمكن الحد من هذه الملوثات ومنع انتشارها بشكل أكبر مما هي عليه؟
لا بد أن هذا العبء مشتركٌ بين جميع أفراد المجتمع، فالمسؤولية تقع على الفرد نفسه أولاً ، والوالدين ثانياً، يلي ذلك المدرسة ودور العلم بشكل عام، حيث يمكن تلخيص ذلك في نقاط أهمها:
1. حياء الشخص من الله، وتقويم الذات بالتعويد على الامتناع عن ذلك، مما يحمله على لزوم الطيّب من القول، إضافة إلى وضع مخافة الله نصب عينيه، فمن يخاف الله لا يتكلم بكلام يورده المهالك، حيث يمكن للإنسان أن يشغل لسانه بذكر الله فيجد ما يؤنسه ويغنيه عن الكلام البذيء.
2. الصحبة الصالحةومجالسة الأخيار الذين يعينون على الخير والصلاح، فينبهون بعضهم إن غفلوا ويذكرون بعضهم إن نسوا.
3.التزام الصمت، ففيه السلامة، حيث أن كثرة الكلام توقع الزلل والأخطاء ، قال عليه السلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليق خيرا أو ليصمت)
4. تشديد رقابة الأهل على أبنائهم ،ويشمل ذلك مراقبة البرامج والأفلام والمسلسلات التي يتابعونها، وإرشاد الأبناء وتوعيتهم إلى مخاطر استخدام هذه الألفاظ، إضافة إلى تلفظ الأهل أنفسهم بالألفاظ واللغة التي يفضلون أن يتعلمها ويكتسبها أبناؤهم ، واستعمال الكلمات المهذبة الرقيقة.
5. ولا نغفل هنا ما للمدرسة من دور بارز ومهم في مكافحة هذه الملوث السمعي، وذلك يكون ضمنَ خطة واضحة يضعها المرشد التربوي بالتعاون مع مدير المدرسة والمعلمين مثلاً تشمل حصصاً توعوية، وتوجيهات مستمرة، ونشر ثقافة عامة بخصوص هذا الآفة ، إضافة إلى محاسبة الطلاب الذين تتكرر عندهم هذه الألفاظ، إضافة إلى إمكانية عمل ورشات عمل يشارك فيها ذوي الاختصاص للتعاون في الحد من ذلك.
ويبقى الأساس في هذه الآفة هو الوقاية منها، وذلك من خلال المعاملة الحسنة للطفل من قبل والديه، واستخدام اللغة ذات الأثر الطيب في نفسه مثل كلمات: شكرا، ومن فضلك ولو سمحت، وضرورة تذكيرهم وتوعيتهم بأنّ ما يتفوهون به هي ألفاظ بذيئة، حيث أنّ كثيراً من الأفراد وخاصةً الأطفال ينطقون بكلمات لا يعرفون أنها سيئة ، كما أن مراقبة المحيط يلعب دوراً كبيراً في الوقاية من الآفة .
بناءً على ما سبق نقول : إن انتشار تلك الألفاظ بين طبقات المجتمع وخاصة المتدنية تعليمياً واقتصادياً واجتماعياً يحتم علينا ويتطلب منّا تكاثف الجهود يداً بيد للحدّ من هذه الظاهرة، كما علينا أن نتذكر دائما أن أطفالنا بشكل خاص هم الخاصرة الأضعف في تلقي هذه الكلمات ، إلا أن المتابعة من الوالدين ، وخلق الثقة والصراحة بينه وبين والديه كأسلوب تنشئة سليم يجنبه الوقوع في هذه الألفاظ، جميعنا مسوؤلون عن علاج هذه الآفة، ولنرتق بمجتمع نحو الذوق المهذب.