إشراقات سياسية
ضمير في الجليد

يستمر الوجع بل ويجد من يعززه ويزيده عمقا، يوسع دائرة المكسورة قلوبهم المشتاقين لحضن الوداع وقبلة الأمهات والآباء، في كل يوم يخرج للإعلام خبر بارتقاء شهيد تحتفي ملامح الحكاية في ثنايا الخبر والمتن الذي يريد تجاهله المتقدمون بحجة التحرير والمتباطئون بحجة الحكمة والتدويل، وهم مؤسسات وشخصيات وجهات رسمية تروس بيانا إن أحرجها مشهد أم تبكي طلبا لنظرة وداع فلذة كبد احتجز فورا في ثلاجة.
عقوبات جماعية
تصر ضمائر من قالوا إنهم حماة الإنسانية ورافعة التطوير ورفض الاستبداد والمحافظة على الحقوق أن تبقى مجمدة في ثلاجة عمدا وإقرارا دون قوة وإجبار تنام تلك الضمائر هناك حيث التخدير والتمرير والسبات العميق، وتستيقظ فجأة إن كان المستهدف برنامج تمويل أو صعلوك عابر مغتصب للحقوق.
في الثلاجة
وهذا مشوار طويل تعيشه أمهات ليست البداية منذ عام ٢٠١٥ بل كانت منذ الاحتلال، فتحوا ثلاجات وأضافوا مقابر أرقام لكن عام ٢٠١٥ كانت للأهل كلمة فيه وهم من طرقوا الخزان ونزلوا الشوارع بحثا عن منقذ ومساعد في إعادة الجثمان.
أتدرون يا سادة أنه بات يوم فرح أن تدفن الأم ابنها !؟؟
أتدرون يا سادة أن قادة ومسؤولين وحقوقيين لا يعلمون أن هناك احتجاز ولا ثلاجة!!
أتدرون يا سادة أن من بين الأمهات من ترتعب من الشتاء لأن فلذة كبدها في برد وجليد العنصرية والسادية !!!
أتدرون يا سادة أن أمهات لا يقتربن من الثلاجة في منزلهن ويكرهن اسمها، فهي التي تبعد أعز ما عندها عن دفء الأرض وعن حضن ووداع بكرامة.
ماذا بعد ولمن تشكو؟!
وتقول فقط أريد أن أودع من لأجلكم انتفض وقاوم وانتصر، من تتغنون باسمه وصوره تسارعون لوضع لونكم عليه، من لأجله يركب المسؤول السيارة ويتغنى ذلك بالتحرير وآخر ينصب نفسه زعيما دون سيادة.
طفح الكيل كثيرا وبات الحديث دون فعال جدية وكأنه مشاركة فعلية في قرار صدر عن ليبرمان ٢٠١٥ بتعذيب الأهالي وتعزيز عقوبة جماعية.
يقول قائل ماذا بأيدينا أن نفعل؟ ويجيب آخر الكثير الكثير، ولكن استهتارا بكل خطوة يهدر جبل التراكم وقطف ثمار ولجم عنصرية الدخيل.
* لدينا الجامعات ومجالس الطلبة ولجان ثقافية وأندية كليات إعلام وحقوق وديمقراطية، ماذا فعلت كي تفعّل الملف خاصة أنه لدينا ١١٩ شهيدا في الثلاجة ويزيد، وأكثر من ٢٥٣ في مقابر الأرقام وأكثر بكثير.
* الأرشيف من يسجل ويوثق، وأين الأرشيف الرسمي وأين الإسناد والدليل، أتعلمون يا سادة أن أهالي الشهداء يرجون شهادة وفاة وتقرير يكتب فيه أن استشهد برصاص احتلال وليس توفي في المنزل بصيغة الذليل.
* الجاليات والسفارات وخارجية نحتاج منهم تقريرا أو أخبارا عن فعالية أو لجنة أممية أو تقديم أوراق لفضح جريمة وإذابة بعض من الجليد عن الضمير قبل أن يذيبوه عن أجساد المحررين المستيقظين روحا وضميرا.
* التنسيق الأمني أهو فقط لكسر المقاومة وملاحقة الكتيبة والخلية والعرين؟! أهو فقط للفتنة والشرخ الداخلي وتدمير ما هو جميل؟! استخدموه ولو لمرة واحدة في إعادة الجثامين، حتى في فترة كورونا فشلتم في منع جندي من ركل عامل فلسطيني عند حاجز نعلين بحجة أنه مصاب ولا يمكن أن يحدث في ملفه تنسيق فقط لعلاجه أو نقله بصورة تليق بإنسان.
* الإعلام المحلي والفصائلي والرسمي، أيعقل يا سادة أن تكون لدينا نصف الصحف والإذاعات ووسائل التواصل ومواقع الأخبار والفضائيات مسجلة أنها فلسطينية ولا تخرج بخبر واحد عن احتجاز شهيد أو صقيع يدمر قلب أم وينسف حقوق إنسان أقرته شريعة السماء وقوانين الأرض بدفنه والتشييع.
* مدارس ومناهج وتعبئة، وهل الإذاعات الصباحية والخطب في المساجد والدروس والندوات والمحاضرات والمشاركة في المسيرات تحتاج جهدا أو تشكل خوفا وخطرا في ملف قال فيه أبشع الصهاينة تطرفا “نخجل من احتجاز جيشنا للجثامين ولكنه قرار نلتزم فيه” بينما نحن نتجاهل كل نصرة لضحاياه وفي كل يوم يزداد الألم وتتوسع دائرة المكلومين،
هم كانوا خمسة ثم عشرة وأصبحوا الآن مئة وعشرات، ومنهم من سيسجل فيها قريبا دون اختياره ودون علمه فرصاص العنصرية يجعل كل فلسطيني شهيدا، وإن تأخر ساعة أو يوما فاحتجاز أو إعدام، وفي المحصلة من أمن العقاب وسبات الضمير وجليد المشاعر أساء الأدب وزاد القهر وأبقى الجليد على جثامين شهداء ارتقوا لأجلكم ولفلسطين ولكرامة أبنائكم وأحفادكم.