اجتماعيةتربوية

المدرسة..  حصن المجتمع الأخير

يُـروى عن ابن عباس قوله: “لو كان أحدٌ مُكتَـفياً من العلم؛ لاكتفى موسى عليه السـلام لما قال: (قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) ” الكهف-66″، وقال سفيان الثَّـوري رحمه الله: (لا نزالُ نتعلمُ العلم ما وجدنا من يُعلمنا).

تظهر أهمية المدرسة في المجتمع كونها فريضة دينية على كُـلِّ مسلم، وأصبحت الأسرة والمدرسة وثيقتي الصِّلة ببعضهما، وأصلُ الحياةِ الإنسانية في نظر الإسلام، وبالأدوار التي يمكن أن تمارسها مع رُوّادها، حيث تعتبر المدرسة مكان تشريع للعديد من السلوكيات المجتمعية والأخلاقية، ولن أتحدث هنا عن العلم التطبيقي المقدم للطلاب، لتميزه بالثبات ولو نسبياً، وسأركز حديثي على دور المدرسة كحصن أخير للأخلاق والفضائل بعد دور المسجد.

المدارس غنية عن بيان أدوارها، حيث تعيش هموم شعبها في كل أحواله، ومراقبة اتجاه قِـيَمِهِ وسلوكياته، فكل طالب فيها عبارة عن عينة تمثل عائلة ما، وتظهرُ فيه كل السلوكيات التربوية والأخلاقية التي يجب التعامل معها؛ إماً تعزيزاً وتأييداً؛ وإما تصحيح ما هو عليه، وصقله من جديد، والمدارس ظلت تهدي الناسَ إلى طريق الخير، وتنهاهم عن الشرك والبدع والإلحاد، وهي تقمعُ الأباطيل، وتضيئُ الأرضَ بأشعتها، وتُـخرجُ الناسَ من الظلماتِ إلى النور منذ بداية تأسيسها حتى اليوم، وتجعلُ الإنسانَ مُهذباً مِثالِـياً، فهي أفضل المؤسسات التشريعية للأخلاق في العالم والملاذ لكل فضيلة إنْ أُحْسِنَ صناعتها.

تتمثل التربية، والتربية الإسلامية في تنمية فِـكر الإنسان، وتنظيم سلوكه اللفظي والعملي علـى أسـاس الـدين الإسلامي؛ لكوننا مجتمعاً مسلماً، فالتربية تهتم ببناء شخصية الإنسان الذي سيبني المجتمع الإسلامي القويم القادر علـى مواجهة أخطار أعداء الدين الإسلامي، والعامل على نشر كلمة الله في الأرض، وبما أنَّ المدارسَ تسيرُ جنباً إلى جنب مع البيتِ في حمل هذه الأمانة العظيمة؛ وجبَ عليهما التكامل في تحقيق الهدف الأسمى من عملية التربية، فلا يجوز أن يبني طرف والآخر يهدم.

المدارس تتغلب على الصراع القائم بسبب اختلاف وجهات النظر؛ لما تملكه من دور مؤثر وملزم أحياناً، وهو ما تسعى التربية القيمية الإسلامية على تأصيله وتعميقه في عقول وسلوك طلابنا، وهدف مباشر لبناء مجتمع مسلم سليم في عقيدته وسلوكه، لأنَّ رُوّاد مدارس اليوم هم مجتمع الغد القادم، وتشكيلهم يتطلب أن تكون المدرسة التي ينتسبون إليها أمينة وسليمة العقيدة والمبدأ التربوي القيمي، فالملايين من الطلبة ينتظمون في مدارس مختلفة، ويتلقون مناهج تعليمية شبه موحدة علمياً، وتكمن الفروق في نوع التربية والقدوة المقدمة فيها، وما تقدمه المدرسة من فعاليات ونشاطات وآراء وقيم وسلوكيات جمعية؛ يعتبره الطلابُ صحيحاً وسليماً؛ لأنه صدرَ عن معلم أو معلمة يعتبرهم مصدرَ التَّـلقي بعد الوالدين، وهناك تتشكل خطورة أو سلامة نوعية التلقي.

القدوة التربوية الحسنة:

وصَّى مَسلمةُ بن عبد الملك مُـؤدبَ ولده فقال له:

“إني قد وَصَلْتُ جناحَـكَ بِعَـضُدي، ورضيتُ بكَ قَـرينا لولَدي؛ فأحسِنْ سياستهم تَـدُمْ لك استقامتهم، وأسهلْ بهم في التأديب عن مذاهب العنف، وعلِّمهم معروفَ الكلامِ، وجنِّـبْـهم مُصادقة اللئام، وانْهَـهُـم أن يُعرفوا بما لم يَعرفوا، وكُـنْ لهم سائِساً شَفيقاً، ومُـؤدِّباً رفيقاً؛ تُكسبك الشفقةُ منهم المحبة، والرفق حُسن القبول ومحمودَ الْمَغَبَّة، ويمنحك ما أدى من أثرك عليهم وحسن تأديبك لهم مني جميلَ الرأي وفاضلَ الإحسان ولطيف العناية”

الاستدلال بالقصة من بين مئات المواقف التربوية التاريخية، حيث نلاحظ فيها أن الموقف التربوي يتركز حول القيم والسلوكيات المراد من المعلم إيصالها للطلاب، فالعلم يأتي عاجلاً أم آجلاً، وكثيرون تعلموا العلم وحصلوا على شهادات بعد أن فاتهم القطار، ولكن التربيةَ مقترنة بالعمر، ولكل مرحلة عُمرية نصيبها من مَعْينِ التربية الصافي، فأي تعكير في مرحلة ما يلوث ما بعدها، والإصلاح التربوي يكون صعباً وأحياناً مستحيلاً، فمرحلة الطفولة المبكرة لها مكانتها وأهميتها، وتظهر وتتشكل فيها شخصية الطفل، واتجاه حياته؛ لكونها مرحلة التأسيس والبناء، وفيها تظهر مبادئ التربية السليمة عن غيرها، والتطلع بعناية ودقة إلى مستقبلهم.

يتشكل المعلم في ذهن طلابه وبصرهم من مجموعة مواصفات ومعطيات، تتفرع لتشمل الهندام والمظهر، وحتى أدق التفاصيل والكلمات والمواقف الاجتماعية، ووجهة النظر في المواضيع، كالشهامة والوطنية والشجاعة، وقول الحق والمروءة والعفة والحياء والستر، والصبر والورع، وعزة النفس، والكرم وقِلة الطمع وغيرها.

وتتراكم لدى الطلاب في جميع مناشط الحياة المدرسية واتجاه سيرها كراكب في حافلة يقودها قائد، فإما يقودُهم إلى النجاة، وإما إلى الهلاك، فنحنُ إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثيرٍ من العلم، وكاد الأدب أن يكون ثُـلثي الدّين، وأدب العلم أكثر من العلم، فلا نفع من علم ملوث بسوء الأدب من المعلم والطالب.

 لا أحد ينكر ما للمعلم من تأثير في المواقف التربوية، حيث يعتبر سيد الموقف وصاحب الكلمة المؤثرة، وقائد العملية التربوية، وهو الذي يهيئ لهم السبل للانتفاع بما يحتوي عليه المنهج، ونوع الأمة يتوقف على نوع المواطنين الذين تتكون منهم، ونوع المواطنين يتوقف إلى حد كبير على نوع التربية التي يتلقونها، وأهم العوامل في تقرير نوعية التربية هو نوع المعلمين، وعن ابن عجلان قال: كان يقال: “إن الله ليريد العذاب بأهل الأرض، فإذا سمع تعليم المعلم الصبيان الحكمة صرف عنهم”.

يجب أن يكون المعلم  صالحاً في علاقته مع خالقه، فيتعامل على أساس من الإيمان  والصدق واليقين القوي؛ الذي يدفعه إلى امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فإن من الواجب عليه أيضاً أن يكون صــــالحاً في خُلُقه وعاداته وسجاياه التي يتعامل بها مع الطلاب، أو أفراد المجتمع، والأخلاق الحميدة تستمد قوتها وحسنها من الشريعة والسلوك النبوي؛ طلباً لمرضاة الله وابتغاء رضوانه،  والمعلم بحاجة ماسة إلى أن يتصف بكل الصفات الحسنة التي تجعله محبوباً داخل مجتمع المدرسة أو خارجها، أما عدم التحلي بها؛ فسيؤدي إلى الإخفاق في تأدية الرسالة التي نذر نفسه من أجل تأديتها على أكمل وجه.

المعلم في عنقه أمانة فلذات الأكباد، ومهجة الأرواح، وبيده تربيتهم وتشكيلهم حسبما يريد، ومن ثم تزيد مسؤوليته في غرس العقيدة الإسلامية الصحيحة، وتمكينها في قلوبهم وإعدادهم؛ ليكونوا مواطنين مؤمنين صالحين، يدركون ما عليهم من حقوق وواجبات تجاه دينهم ووطنهم، وسائر أفراد مجتمعهم. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة) (رواه البخاري).

تقوم المدارس بسلوكيات تربوية ونشاطات لا صفية، وأحياناً غير منهجية؛ تؤدي لانحرافات خطيرة على تربيتنا القيمية لطلابنا، ساعية للتميز والاختلاف عن غيرها والدعاية لنفسها، ولو على حساب جيل كامل تؤتمن عليه سواء كانت مدركة أم لا؛ لخطورة تلك الممارسات على الطلبة، فلا نفع ولا فائد من تدريس الأخلاق، ومناهج التربية الإسلامية نظرياً، والابتعاد عنها عملياً وواقعياً أمام الطلاب، فلا بدَّ للمعلم فيها أن يكون مثالاً حقيقياً، وأن يقُـل خيراً لطلبته أو يصمت، فلا صلاحية له بالعبث في عقول من ائتمنوه على أبنائهم، فالطفل يولد من رحم البيت على الفطرة السليمة، ليعيش في المدرسة، ويجب أن تخدم كافة الكتب الدراسية في محتواها وأدبياتها المعرفية والنشاطات المتنوعة الهدف الأساسي؛ لتعميق تربية جيل مؤمن على خلق ودين وتربية إسلامية صحيحة.

مدارسنا تتعرض لشوائب كثيرة تتجمع فيها من نشاطات دخيلة بعيدة عن معالي القيم الأخلاقية، بما فيها من اختلاط محرم بين الطلبة في ممارسة مسابقات ونشاطات بدنية أو فنية وغيرها، يقودها فريق من الذين فقدوا بوصلة الحلال والحرام ومبادئ التربية القويمة، فنرى معلمة في كامل تبرجها تتراقص وتغني مع طلابها وطالباتها على مواقع التواصل، ومعلم يقوم بتعريض طلابه لقضايا مجتمعية خلافية، أو تتجاوز إدراكهم؛ بهدف غرسها في نفوسهم؛ ليتطبعوا عليها مستقبلاً، وعلمنة التعليم من أكبر الجرائم التي تمارسها الجهات المسؤولة، وبعض المؤسسات الدخيلة على مجتمعاتنا المسلمة، والتي تتناول قضايا حقوقية للجنسين ضاربة عرض الحائط بكل شرائع ديننا الحنيف، وقيمنا المجتمعية، ومع انتشار الفكر المنحرف، وتنوع أشكاله ومضامينه، ووجود حالة إِفساد عامة تحيط بالشباب تتصدرها مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها؛ جعلتهم يتخلون عن مبادئ أصيلة مقابل أفكار دخيلة؛ بسبب ضعف الوازع الديني، وضعف الأسرة أحياناً في مواجهة التحديات وتلك الأفكار بشكل مقنع ومؤثر.

المسؤولية الكبرى تقع على عاتق أولياء الأمور والمعلمين المخلصين قبل الجهات المسؤولة للتصدي لأي ظاهرة دخيلة تقترب من أسوار مدارسنا، فهم المتضررون بالدرجة الأولى من أي انحراف قد يتجاوز تلك الأسوار، ولا نفع من الاستسلام بحجة تعلق الأمر بالمسؤولين، فأحياناً تزداد دائرة السوء حول طلابنا “إن كان رب البيت بالدّف ضارباً…”.

المنحرفون دينياً وفكرياً وسلوكياً أشد خطراً على المجتمعات في تفككها وانهيارها؛ لأنهم يعتمدون الأفكار السطحية السهلة الجذابة في بريق دعايتها التي تستهدف روّاد المدارس، كذلك يعتبرون أنفسهم نخبة المجتمع، وتسعى مؤسسات الإفساد لتلميعهم وإبرازهم؛ لتطفو دعايتهم وتسخر لهم كل الإمكانات.

تواجه المدرسة تغيرات وتحديات في وظائفها، التي أخذت أبعاداً مختلفة، ودورها يزداد أهمية لمواجهة الحرب الفكرية والسلوكية، ويتطلب ذلك مشاركة فعَّالة لأولياء الأمور، الذين تنوب المدرسة عنهم في تربية أبنائهم، وتحل محلهم، والمساجد مع دُعاتها، والمؤسسات الاجتماعية سليمة المنهج، ويجب على المدرسة ألا تكون بمعزل عن المجتمع، والتمترس خلف سياسات وضعتها لنفسها، فهي تمثل المجتمع بدينه وعقديته، ولا تفرض نفسها على الغير، وأن يتم التخطيط لوظائفها وصولاً إلى الأهداف الآمنة التي يسعى إلى تحقيقها النظام التربوي القيمي.

دور المدرسة تعاظم تاريخياً حتى أخذ أبعاداً مختلفة بفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية الحاصلة، ومع التطور التكنولوجي والتسارع العلمي؛ أصبحت مهمة المدرسة أكثر تعقيداً، وأصبح التعليم يعتمد على التكنولوجيا في تقديم المعارف المختلفة، كما أصبحت هناك مصادر مختلفة تنقل المعرفة بشوائبها، وأصبح من الضروري أن تشاركها الأسرة في مهمتها لحماية طلابها من كل الدخلاء.

فإذا أخفقت الأسرة؛ فإننا نتوقع من المدرسة أن تحلَّ محلها، وإذا تقلَّص أو تراجع دور المساجد في تعليم القيم الأخلاقية والدينية نتيجة استبداد السلطات العلمانية، فإن هذا العمل يُـفَوَّضُ إلى المدرسة، ومن النادر في الوقت المعاصر أن نجد ميداناً من ميادين النشاط الإنساني لم تستدع المدرسةُ إلى تقديم مساعدة كبرى له، فالمدرسة ناقلة لميراث عظيم من الأخلاق، وتشرّع قيماً تربوية وسلوكية ذات قيمة مجتمعية مؤثرة، وجب تدقيقها ومراقبتها بفعل الدخلاء على العملية التربوية، فهناك من يدس السم في الدَّسم.

ما تقدمه المدرسة من تربية أخلاقية، ووقوفها أمام الإفساد والمفسدين، جعل مساحة معركتها في زرع وتثبيت القيم تتسع، حيث أصبحت تتغول فيها الدول المانحة عابثةً في مناهجها وتقزيمها؛ لحذف كل فضيلة ومروءة وشجاعة، وتساندها مؤسسات مُفسدة تسمي نفسها (النسويات)، ويدعمها دعاة حقوق وناشطون غابت عنهم كل فضيلة، فالمدرسة تقدم خدمة علاجية لطلابها وأولياء أمورهم، وللمجتمع كاملاً، يفوق ما تقدمه المستشفيات من علاج، بشرط ألا يكون الدواء فاسداً، لذلك أصبحت مستهدفة بشكل ملحوظ.

المدرسة بيئة تربوية طاهِـرة مُطهِّرة، فمع تعقد المجتمع تسعى إلى أن تقدم بيئة نقية من الفساد، ومطهرة من عوامل الانحلال التي تصيب المجتمع، وبالتالي تعمل على حماية الفرد ورعايته حتى نضجه عقلياً وفكرياً ودينياً، ويصبح قادراً على مجابهة ما في المجتمع من فساد.

مما سبق يجدر بنا القول، إن دور المدرسة لا يقتصر على تلقين الطفل جملة من المعارف والمعلومات التي تحتويها الكتب والمواد الدراسية، بل تتعداه إلى تكوين شخصيته المتكاملة والمتفاعلة مع المجتمع المحلي والعالمي، وبالتالي نتوقع لها دائماً أدواراً متجددة، ويقوم بها معلمون مؤهلون مؤتمنون على جيل كامل تتمثل في:

  1. مواجهة المشكلات المجتمعية من عنف وبلطجة، ومحاربتها منذ نعومة أظفار طلابها ولا يكتمل هذا الدور إلا بإعطاء المدرسة صلاحيات واسعة في التهذيب، وتدريب معلميها في مرحلة الجامعة للقيام بأدوار مؤثرة.
  2. تهيئة الطلاب لفهم الحياة الاجتماعية بالشكل الصحيح، باعتبار المجتمع معقدَ التركيب، فيه نظم اقتصادية وسياسية وفكرية متشعبة، ويصعب عليه فهمها دون توجيه مدرسي.
  3. خلق مجتمع مدرسي مصفَّى من الشوائب السلوكية والأخلاقية والفكرية، وتتفق المدرسة مع أولياء الأمور على طبيعتها.
  4. إقرار التوازن والفهم والاختيار بين عناصر البيئة الاجتماعية والسياسية التي يمكن تعريفها بأنها بوتقة يُصهر أفراد المجتمع فيها، وعلى المدرسة توجيه الطالب نحو الاتجاه الصحيح.
  5. المحافظة على الإرث الوطني والثقافي والعادات والتقاليد بعد تنقيتها من الشوائب، والتمسك بها كميراث قيمي مساعد في التربية، ومواكبة تطورات المستقبل على أرضية راسخة بعد ذلك.
  6. تجاوُز المدرسة في رسالتها للمؤسسة السياسية الحاكمة، فلا يجوز أن تكون أداة تتلاعب فيها، وتسخر لخدمة طرف ضد آخر؛ مما يخلق لدى الأطفال ثنائية فكرية قد تؤدي به إلى الانفصال الوطني؛ لأنه خاض معركة انتخابية في طفولته كان خاسراً فيها، ويجب ترك المعارك السياسية لحين وصوله إلى مرحلة ما بعد المدرسة.
  7. منع الاختلاط في المدارس بين الطلاب والطالبات، والذي يؤدي حتماً للخلوة المحرمة، ونشوء علاقات قد تمتد لما بعد المدرسة لما لها من آثار تربوية خطيرة على معارضة المبادئ الدينية، واختلال البناء السلوكي لكل جنس، وطبيعة الرجولة المنوي غرسها في الأبناء، تختلف عن طبيعة الأنوثة المراد تنميتها في البنات.
  8. الحرام بيَّنٌ والحلال بيّن، فلا يجوز للمدرسة تحت أي مسمى إدخال المحرمات لأسوار المدرسة متذرعةً بالنشاطات والفعاليات الرسمية أو الشعبية أو المدرسية التي تزداد سنوياً كماً ونوعاً، ولها ما لها، وعليها ما عليها، فقيام المدرسة بنشاطات مخالفة لديننا؛ يعطيها شرعية في نفوس الطلاب تتقبله دائماً.
  9. إعطاء مديري المدارس ومعلميها من خلال تشكيل مجلس المعلمين صلاحيات رصد ومتابعة القضايا الاجتماعية والسلوكية والتجاوزات بأنواعها، ووضع الخطط الكفيلة في معالجة سلوكيات مجتمعنا المسلم بعيداً عن اعتبارات القيم الغربية الدخيلة التي يتشدق بها البعض، ونرى إلى أين وصل الحال في المجتمعات الغربية من شذوذ وانحلال نتيجة سياسات التربية المنفتحة والحرية المطلقة.
  10. امتلاك المعلمين صلاحيات كاملة في تصويب وتنقية الشوائب في المقررات الدراسية، وتجاوز كل ما من شأنه أن يلوث عقول أطفالنا، أو يحد من معرفتهم بواقعهم، وخاصة المتعلق بدينهم، وتكامله في عقولهم، ووطنهم وقضيتهم، فلا يجوز أن نسوِّق لهم فكراً وتوجهاً ما على أنه الصحيح.

إن المدرسة في عصرنا تجد نفسها أمام وظائف جديدة تفرضها عليها طبيعة التغييرات الجذرية التي يتميز بها هذا العصر؛ فقد تراكم في المجتمع التلوث الفكري بشكل لم يسبق له مثيل، واتسع نطاقه باتساع نطاق الوصول الإنساني وتشابكه، وسهولة انتقال نتائجه، وتفرع فروع المعرفة المختلفة؛ وليس معنى ذلك إغلاق المدرسة أبوابها على طلابها؛ بل ممارستها دوراً تشريعياً لسهولة نقله، والاقتصار على جانب منه دون جوانب أخرى، ويعني الاختيار والتمييز بين العناصر القديمة والجديدة، وتحقيق التكامل السليم، مما يجعل هذا الرصيد القادم بعد ذلك مقنن التناول وفق تشريعات واضحة، فالمدرسة مطالبة بقيامها بهذه الوظيفة بابتكار الوسائل والأساليب الجديدة، وتنظيم المادة الدراسية والمعرفية والسلوكية، وتقديمها وتوصيلها للناشئين بدقة وحرص.

المدرسة أهم أداة لتثبيت النظام الاجتماعي السليم المتمثل في تماسك الأسرة، وهي حلقة الوصل الأخلاقية لكل المجتمع، وتتسم بالقوة والثبات والاستمرارية، فالوظيفة الاجتماعية للمدرسة والمعلمين يجب أن تتمتع بسلطة تشريعية بالتنسيق مع أولياء الأمور وعلماء الأمة؛ لتشكل قوة وسلطة أخلاقية ذات هيبة وطنية، فلا تسمح للعابثين والمنحلين من فرض سلطتهم عليها.

يجب أن تسخر الإمكانات الوطنية من إعلام ومساجد ودعاة، ونخب ثقافية ووطنية لقيادة السياسة التربوية، وحماية معاقل وقلاع الوطن التي عجز الاحتلال عن اقتحامها، وإبعادها عن أولئك الذين يهدمون منها كل عام حجراً بحجة (التنوير والانفتاح والحداثة والتي أعتبرها جاءت لتجاوز كل الأخلاق الصحيحة وجعل المجتمع معاق أخلاقياً وثقافياً ودينياً؛ ليسهل إخضاعه كلياً).

قال تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) جاءت هذه الآية تعقيباً على أصعب عملية تربية في التاريخ، تربية النبي يوسف عليه السلام في بيت فرعون؛ لتقول لكل العابثين في المدارس أن الله سيقهركم، ويرد كيدكم إلى نحوركم، وأنه مهما انتفش الباطل، وعلا صوت الظالم؛ فأن تدبير الله ورعايته ستقهرهم؛ لأنَّ قيمة الإنسان في أي مجتمع تكون عادةً بما تعلَّمه، وبما حصل عليه من تربية، فمن أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم، وقد ظهرت قيمة ما تعلَّمه يوسف عليه السلام، وتربى عليه برعاية الله في لحظةٍ حرجةٍ من تاريخ مصر، فلا نجاة ولا فلاح إلا بعلم وتربية على منهج سوي قويم.

والله غالب على أمره

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى