تربوية

الرّجال قوّامـون!

إحدى القضايا التي تعد مدخلاً مظلماً لمهاجمة الإسلام كشريعة ناظمة تمهيداً لإنهائه كدين كما حدث في المجتمعات الغربية، أو استبداله بالدين الإبراهيمي، أو جعله حبيساً في مساجد تديرها فئة ضالة مضلة في أغلب المجتمعات الإسلامية، وهي قوامة الرجل على المرأة، ووصفها بأوصاف غير اعتيادية ومزاجية، وتحميل النصوص القرآنية غير معناها، وحقيقة مقصدها.

القوامة ليست نوعاً من التفضيل في الخلق؛ بل امتيازات ومزايا منحها الخالق لكل من الذكر والأنثى؛ لتحقيق مقصد التكافل والتكامل، ومصلحة الأسرة والمجتمع. وفي معناها اللغوي تبيان بعض ذلك، حيث تعد القوامة عماد ونظام كل شيء، وما يقيم الإنسان من قوت، والقوامة كثافة مسؤوليات، وإصلاح للأمور الحياتية والدينية، وهي أيضاً القيام الحسن للأمور بإتقان وعدل ومساواة، ومنها أن لكل جماعة قوّام -أي مسؤول- فما بالنا بالمؤسسة الأهم، وهي البيت الذي يعد أهم مؤسسة تربوية يعتمد عليها صلاح المجتمع وتقدمه. وفي معنى القوامة لا تفضيل لأحد على آخر، فديننا لا يفاضل بين الجنسين إلا بالتقوى والعمل الصالح.

قوامة الرجل ليست حصراً عليه في حال تحول من العزوبية إلى الزواج، أو كونه أصبح زوجاً فقط، بل هي في المعنى الأشمل قوامة دور مجتمعي (لأمه وأخته وزوجته وابنته وعمته وخالته) وكل أنثى تقع ضمن نطاق العائلة والقرابة، وقوامة الرجولة عامة وليست زوجية منفردة، فالرجل بقوامته يحمل أعباء إضافية لتحقيق راحة وسعادة من يقوم عليهن، فالتكليف قائم على المشقة وليس على التسلط الذكوري كما تدعي جمعيات حقوق المرأة، فالرجل غير الزوج وهو قوّام على الأرملة واليتيمة والمريضة والمحتاجة، قوام على قريباته في صلة الرحم والعناية، قوام في الحماية والدفاع عن أعراضهن وشرفهن وكرامتهن، قوام بروحه وجسده وسلامته، يقدمها لكل من تصرخ “وامعتصماه” إنها قوامة مسؤولية مجتمعية تشمل المسؤولية الزوجية والمجتمعية معاً. فمن كان غير قوّام في مجتمعه محافظاً عليه، لن يكون قوّاماً في بيته ولا أميناً في عمله ووظيفته ولا أي مكان آخر، لذلك حدد القرآن الكريم اللفظ العام وليس الخاص، وربطها بالرجولة وليس الذكورة ولا الزواج، حين قال: (الرّجال قوامون…)

القوامة مسار طبيعي في كل المخلوقات، والمُلاحِظ لطبيعة الخلق ومسار حياة المخلوقات يكتشف التباين في المسؤوليات والاختلاف في المهام، ولكنه الاكتمال لتكون وتستمر، فلا عجب أن يكون للرجل دور، وللمرأة دور آخر؛ لتستقيم الحياة بحركة متناغمة لطرفي الخلق فيها، فإن تجاوز أو تجاهل أحدهما دوره؛ اختل الميزان ومال، وضعفت الحياة المجتمعية، وانهارت الأسرة.

واقع اليوم، وما فيه من تلوّث واضح للأدوار، حيث تجمعت أسباب عدّة أدّت إلى ضعف واختلال القوامة، واتّكالية الرجل على المرأة واستغلالها عاطفياً وجنسياً تحت مسميات حضارية مغشوشة: كالمساواة والحرية وآخرها الجندرية، واستغلالها دعائياً لمنتوج تافهٍ، وحوَّلَها إلى صورة على بضاعته للترويج وليس التقدير، وعارضة لملابس في الشوارع والمحال مستغلاً جمالها وعاطفيتها وحبها للأناقة والتزين، وجعلها راقصة في حفلاته، وغيرها من صور الامتهان القذر لكرامة المرأة، وكل ذلك بمسميات كاذبة، فتارة نعتها بالتحضر والانفتاح، ومرة بأنها حرة الفكر والاختيار والعمل، وعمل على علمنة أفكارها وإخراجها من دورها ومن عفتها وحيائها بشتّى الوسائل، واتّخاذ الإعلام العلماني وسيلة لتحطيم كيان الأسرة المسلمة.

المرأة مكرمة دائماً، ولها حقوقها الأصيلة، وتعيش الحضارة والفكر والاختيار والمرح والسعادة وليس أداة للمتعة فمن لا يفرق بين السعادة والمتعة لا يكون أميناً عليها، لكن ضمن الضابط الذي يضبط سلوكها كما يضبط سلوك الرجل، فلا فرق بين الجنسين، فهي لا تقل عن الرجل إن نظرنا من جانب الحقوق مع تنوعها، ولا تقل عن الرجل في دورها المجتمعي ولا الأسري بل هي الأهم وظيفياً، ولا تتكامل وظيفة الوجود إلا بممارسة كل مخلوق لدوره وأداء واجباته.

 رمزية الرجل وذكوريته لها أماكنها ومواقفها المحددة، وأنوثة المرأة كذلك لها أماكنها وحدودها. قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/228

فلا ذنب للرجولة ولا الأنوثة ولا الإسلام كشريعة ودين في ممارسات بعض الرجال الذين يمارسون تلك القوامة بصورة تسلطية تمتهن كرامة النساء، وتجعلهن كالعبيد في بيوت سادتهن الرجال بحسب منطلق بؤرة الفساد المسماة (النسويات)، لأن القوامة والرجولة في سياقها تكفّل الرجال بحاجات النساء في بيوتهن سواء كن زوجات أو غير ذلك من الحالات المجتمعية كما أسلفت، وحتى رجولته لها القوامة في مجتمعه كمسؤول ومحارب لحماية وطنه ومدافع عنهن أمام العدو، وكل من يحاول أن يؤذيهن، والمرأة كذلك سند له وحامية لظهره في جهاده في كل الوقت، والرجولة بقوامتها مسؤولية قبل أن تكون مسألة أخرى، وهي عبء وثقل وليست تشريفاً على المرأة .

 وتسعى بؤر الفساد في المجتمعات والنسويات لإلصاق تهمة وكذبة الاستبداد والتسلّط في تفسيرها للقوامة مستندة لأكاذيب موروثة وروايات مقطوعة، ومعاملة النص القرآني كأنه مادة في تشريع أرضي يحق تجاوزه حتى لو كان الضرر المجتمعي فادحاً في عدم تدبير الرجل لشؤون زوجته، وتركها هائمة تتخطفها ممارسات شاذة تسلب منها دورها التكاملي والقيام بما يصلح بيتها ومجتمعها، وتشمل الرجولة قيادة الأسرة والواجبات التي كُلف بها الرجل من إنفاق ورعاية، وحماية وصيانة لها، فالرجل قائم على الأسرة يكمل دور الزوجة، ويجب عليه القيام بما أمره الله به من واجبات شرعية تجاه زوجته وأسرته من مصالح وتدبير ورعاية وتوفير احتياجاتها وغيرها.

وتفاقمت الفجوة الحقوقية عندما صار المجتمع من حولنا يحاكي المجتمعات الغربية في سلوكه دون ملاحظة بنيته كمجتمع آخر مختلف في سلوكه ودينه وتوجهاته، إذ إننا مسلمون ننظر إلى الحياة بمنظور الحلال والحرام والدين، فلا يصح أن نكتسي ثوباً ليس لنا، وندعي أن الدين لا يناسبه؛ بل علينا أن نخلع ذلك الثوب الممزق، ونكتسي بثوب ديننا ومسؤولياتنا وتكاملنا.  فإنه من الخير للمرأة أن تقبل بقوامة الرجل عليها، ولا تعاند ذلك وترفضه، فهذه فطرتها، فلا تعاند مجرى الطبيعة فيصيب الأسرة والمجتمع الشقاء والانهيار، وسعادة الرجل والمرأة لا تكتمل ولا تتحقق إلا في اختلافهما جسدياً ونفسياً وعاطفياً وحتى وظيفياً، والخروج لأي منهما عن حالته الطبيعة وحرمان طرف الحياة الآخر منها يشقي كليهما ومن ثم الأسرة والمجتمع.

فالرجل الممتلئ من الذكورة يحتاج إلى امرأة ممتلئة من الأنوثة، فالقوامة ثابتة مستقرة كما أرادها الخالق لمن خلق فإذا أراد الرجل أن يحقق مراد الله فعليه أن يعتني اعتناءً زائداً بقوامته ورجولته، وأن يأتي بمزيد من الرعاية والكفالة، والحماية، والنفقة والتعليم والتأديب لمؤسسته البيتية، كما أن على المرأة أن تأتي بمزيد الأنوثة وأن تحافظ على طبيعتها كما أرادها الخالق، وتسعى إلى التكامل الوظيفي مع الرجل، وأن تكون الطاعة والاستجابة تنفيذاً لشرع الله وحكمته، والخدمة والانقياد للرجل ليست عيباً في حق وجودها ودورها، فهي تخدمه في مجالات محددة، وهو أيضاً يخدمها في مجالات أخرى.

ومن أسباب شقاء المجتمع وتفكك الأسرة، وانحراف الناس وضياع المصالح، وشيوع الفوضى ووقوع الانحلال، وأن تختل هذه القوامة وأن تقوم المرأة بأدوار ليست لها، وأن ينزوي الرجل خلف معتقدات نسوية تسلبه دوره، وهذا التفضيل للرجال كما أسلفت سابقاً ليس معناه أن كل رجل أفضل من كل امرأةٍ، ولا كل زوج كذلك، فعند الله ميزان التقوى والصلاح لا يفرق، وإنما أتحدث عن قضية ميزان الدنيا الآن، والمراتب الأسرية والسيادة العائلية، وليست قضية المراتب في الجنة، والأفضلية عند الله من جهة التقوى لمن يعمل لها، فقد تفوقُ امرأةٌ زوجَها في التقوى، وقد تكون أحب منه وأقرب عند الله، وأكثر ثواباً وأجراً منه.

فإنَّ تفوق الرجولة على الأنوثة في بعض الأدوار، وعلو الرجولة على الأنوثة من جهة الجنس والخلقة والقدرة والطبيعة، تشهد به الفِطَرُ المستقيمة والآراء السليمة والتجارب الطبية، والكشوفات والأبحاث العلمية، يثبت ذلك الواقع والعقل السليم، ويثبت ذلك الوضع السليم لأي مجتمع وعن مجتمع فيه الوضع مختل ومتداخل.

هذا التفوق حكمة ربانية؛ ليكون للرجل السيادة والقيادة، وليكون هو الذي يأخذ بزمام الأمور، ويوجه الأسرة، ويوحد مع زوجته المجتمع.  فإن الكمال الرجولي والذكوري لا يعني أنه أذكى وأقوى، وأكثر عِلماً، وعندما يجعل الشرع في الرجل هذه القوة ليحمي ويدافع عنها، فتعيش المرأة في أمان محميةً مكفيّةً، لا تحتاج للخروج إلى العمل الشاق الذي يسلب جزءاً كبيراً من أنوثتها ووظيفتها وعفتها أحياناً، ولا إلى الاختلاط غير الضروري، وأحياناً الخلوة المحرمة، ولا إلى ذل النفس في مصائد الماكرين، ولا إلى المهانة في بعض الوظائف كالبائعة والسائقة والعارضة، ولا إلى إراقة ماء الوجه والحياء في غيرها من الأعمال، ولا إلى ما يخالف دينها وفطرتها، فهي مكفيّةٌ، وهذا هو الدين والشرع وهذا هو عين العقل، وإن من انتكاس الفطرة وقلب الأحكام في بعض المجتمعات تكليف المرأة بأن تقوم بدور الرجل مثلاً بإعطاء المهر له والإنفاق عليه، أو إجبارها على ممارسات مجتمعية تخالف كل فطرتها كما يحدث في بعض المجتمعات اليوم.

ماذا فعل المنافقون؟

وماذا فعل أعداء الدين لما نظروا إلى المجتمع إسلامي مستقرٍ يقوده الرجل في الأسرة ويقوم عليه؟

أرادوا أن ينسفوا أسسه باسم (النسويات) والشذوذ وقالوا: لا بد أن نأتيه من القواعد ليخر السقف، فكان من جملة المؤامرة والكيد الضرب في قضية القوامة، لقد أقض مضاجع أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين، لقد حسدونا كيداً على ما أعطانا الله إياه من أحكام عظيمة تضبط مسار حياتنا، فلن يرضوا عنا ولا يزالون يقاتلونا فكرياً وثقافياً ومجتمعياً وجسدياً حتى يردونا عن ديننا، وبظنهم الاستطاعة وبيقيننا النصر والغلبة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى