
كيف يمكن أن أنسب الإهمال واللامبالاة إلى الثقافة؟ الإهمال واللامبالاة؛ سلوكان يمكن ملاحظتهما على الصغار والكبار، وعندما يدعو شخص شخصًا آخر إلى ممارسة الإهمال أو اللامبالاة فإننا نتحدث عن ثقافة، لكنها ثقافة سلبية.
خلال السنوات الأخيرة راقبت عدة تصرفات ومواقف لا تحصى في أماكن متعددة؛ منها:
- يكتب بالقلم فإذا كُسر بين يديه؟ رماه على الأرض أو في القمامة!
- تعمد كسر أقلام الرصاص والألوان من منتصف القلم!
- طفلة كل ما يُكسر بين يديها يذهب إلى القمامة؛ حتى لو كان يمكن إصلاحه.
- شباب وشابات يلقون المهملات على الأرض أو فوق سلة مهملات ممتلئة! بدلًا من رفع أطراف كيس المهملات أو طلب كيس إضافي!
- تسكب العصير على الأرض وبدلًا من تنظيفه أو طلب ممسحة تقوم بتكديس المحارم عليه وتركه!
- في قاعات المحاضرات والأفراح؛ تلقي بالمهملات تحت مقعدها!
- تشرب النسكافيه ثم تترك كاسات الكرتون على النوافذ!
- قلم الحبر لا يمكن أن يبقى غطاءه عليه، سواء طفل أو بنت شابة جامعية!
- يستعملون الحمامات ثم؟ لا ينظفون وراءهم! نساء، ورجال، وأطفال!
- طناجر التيفال والمقالي تُحرك بمعالق الحديد، رغم وجود معالق مناسبة لها!
- وإذا كُسرت قطعة من طقم زجاجي؛ تستغني عنه.
- كلما رأت جديدًا بدلت أوانيها!
هل تعلمون ماذا يقول الأطفال لبعضهم عندما يقعون في أي حادثة مما ذكر أعلاه؟ أو رد فعلهم وتعليقهم الشخصي؟ “بسيطة“، “مش مهم“، “بجيب غيره“، وهذا يدلل على أن عماد تربية الأطفال قائم على الدلع، وقائم على ثقافة الوفرة، وأن الأب والأم يستخدمان فكرتي: “بسيطة”، “وبجيب غيره”، وبالتالي فكرة الشعور بتأنيب الضمير غير متوفرة، حتى لو تعمد الطفل كسر الأشياء أو حتى التخلص منها للحصول على جديد.
وفكرة الشعور بالمسؤولية غير موجودة سواء تجاه الممتلكات الشخصية، أو ممتلكات الغير، وهذا يعني أن هناك فاقد تربوي مرتبط بتجريد التربية من أدنى حس بالمسؤولية، تحت ذريعة أنه طفل!
فالأطفال لا يشعرون بقيمة ما يفعلون، ولا يهتمون بالأشياء، وهذا ناتج عن عصر السيولة والوفرة، قد يكون جيدًا عدم المبالغة في ردود الفعل، ولكن من غير الجيد فقدان الشعور بالمسؤولية، واللامبالاة التي يتصرفون بها، التوازن مطلوب، ولا تستقيم التربية دون ميزان يجمع بين المسؤولية والقيمة، ويضاف إليه التربية على وجود الأهداف لتحقيق الرغبات، فمثلًا: لو أن هذا الطفل اعتاد فكرة “الحصالة” لشراء أشياء محددة؛ لشعر أكثر بقيمة الأشياء من حوله، فهذه قيمة تنمو معه وليست طارئة في التربية.
وبالنظر إلى سلوك الفتيات “الناضجات” فإن تصرفاتهم تبدو طفولية أكثر، وتثور عدة أسئلة؛ كيف تربية البيت؟ معقول لم يتعلمن الشعور بالانتماء لأي مكان، وأهمية النظافة، وأنها مسؤولية الجميع، وكما تتصرف في بيتك، في غرفتك، في حمامك، ستتصرف في الجامعة، والسوق، وأي أماكن تجمع أخرى؟ هل المهم فقط الشكل وموديل الجلباب أو اللباس، وأصباغ الوجه فقط؟ هل غُيبت عقول الشابات وهن يسعين وراء القبول من الرجل؟ ألا يوجد ربط لديهن بين فكرة الأناقة المتكاملة مع الثقافة التربوية من نظافة ونظام ومسؤولية اجتماعية؟
أما سلوك النساء في المطبخ؛ فهذا لم أره إلا عند الجيل الجديد، التي تستهين بكل شيء، وتسمع تعليقًا مثل: “يجعلها أكبر المصايب“، أو “كبي مش مهم“، مع أن هذه العبارات لا تصدر عن أشخاص يشعرون بقيمة الأشياء، أو ممن يدرك أن المال لا يأتي بسهولة، وحتى إن جاء بسهولة فإن الحرص على الأشياء والعناية بها أمران مهمان، وهذا فارق بين أجيال؛ فجيل جدتي مثلًا رغم جهله كان أكثر إحسانًا مع الأدوات، ليس لفقره، بل لفهمه كيف نتعامل مع الأشياء، وكيف نحافظ عليها.
كانت النساء تتنافس مَن تحافظ على أشيائها أكثر، واليوم تتنافس مَن تجدد أغراضها أكثر!
الأب والزوج كذلك؛ ليسا مصباح علاء الدين ليعوضا كل نقص وكسر وإهمال، والأم ليست خارقة لتقوم عن بناتها بكل واجبات البيت، ليتفرغن للزينة مع فراغ الروح.
أحيانًا أفكر كيف تربت هذه الأجيال على ما نرى، فوجدت أن جيلي ومَن بعدي؛ أجيال نشأت على حياة قاسية، فيها شيء من الفقر، وشيء من المكابدة لتحقيق الأهداف، والحصول على الأشياء، ويبدو أن هذا الجيل (جيلي ومَن بعدي) أخذ على عاتقه أن يزيل كل شيء من طريق أبنائه حتى لو كان ذلك على حساب القيم التربوية، وساعده في ذلك ثقافة العصر “السيولة والوفرة”، فأصبح الهروب من الماضي؛ انغماس بالحاضر ، كل شيء متوفر، كل شيء نأتي ببديل له، نحضن وندلل ونحب ونعطي بلا حدود، ثم نتفاجأ بالرخاوة وبانعدام حس المسؤولية، والأصعب انعدام الشعور بالتقدير سواء للوالدين أو حتى للأشياء، فتقدير الوالدين مرتبط فقط بما يقدماه، أما الأشياء فقيمتها لحظية سيأتي الحديث عنها إن كان لنا لقاء قادم بإذن الله
21 صفر 1444هـ
17 أيلول 2022 مـ