اجتماعيةتدوينات

عُرس إسلامي أو لا؟

أثرتُ وأثار غيري في العام الأخير بعض الملاحظات على مختلف أفراح المجتمع، من خلال ذكر بعض الشواهد، والممارسات، وكان منطلق النقد أننا مجتمع مسلم في معظمه، بالتالي ممارساتنا في أفراحنا بعيدة عن الشرع، ورغم أن السائد في المجتمع في السنوات الثلاثين الأخيرة إضافة لفظ “إسلامي” للعرس الذي يكون عروسيه ملتزمين كصدى لجيل الصحوة وانتشار التيار الإسلامي؛ إلا أننا اليوم لا يمكن أن نقول لفظ إسلامي لمجرد التزام الطرفين أو أحدهما.

اليوم؛ نحن بحاجة لتحرير لفظ “إسلامي” وعدم إلصاقه بكل شيء، لأن إسلامية المجتمع قائمة وإن شاعت الممارسات والظواهر التي تناقض ذلك.

والحقيقة أن معنى زواج شاب وفتاة مسلِميْن؛ أن بيتًا جديدًا يُؤَسَس، وأنهم سينشئون جيلًا جديدًا يعبد الله، وينشر الإسلام، ويعمر الأرض، فهو رفعة للدين، وهو إعلاء للترفع عن كل عادة تثقل الكاهل، وكل ما لا يرضي الله، وهو دعوة للفرح، والاستئناس بمشاركة الأحباب، وتقديم نموذج يسهم ولو بخطوة في درب التغيير الثقافي، ومجاهدة العادات والتقاليد، ومحاولة الابتكار بهمة وسعادة.

لذلك من الواجب وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بأعراسنا كملتزمين وكمحيط مسلم، كي لا نشوه الدين أكثر، وكي لا نختلف أكثر، وكي نقدم نموذجًا جادًا للالتزام، نموذج لا يتحرر من الدين في أهم ليلة في عمره بحسب الثقافة السائدة لـ “ليلة العُمر”.

الفرح الذي يُرضي الله لا مخالفات شرعية فيه؛ فلا تتنمص العروس، ولا تكشف جسدها في صالون أو لمزيِّنة، ولا تتكشف فيه النسوة أمام بعضهن، فما فوق الركبة مستور، والبطن مستور، والصدر مستور، والظهر مستور، ولا مبرر لقريبات عريس أو عروس بلبس الفاضح أمام النساء، فاليوم هناك فتاوى لا تبيح أن يظهر من النساء أمام النساء أكثر من مواطن الزينة، سواء لوجود أجهزة الجوال والتصوير، أو لتوصيف النساء لبعضهن.

الفرح الذي يُرضي الله لا تضيع فيه الصلوات تحت أي حجة، أو مبرر سواء للعريس، أو العروس، أو قريبات العروسين.

الفرح الذي يُرضي الله لا اختلاط فيه للنساء بالرجال، فلا يدخل العريس على النساء إلا إن كنّ محارمه، ولا يدخل أقارب العريس الرجال للمباركة له وسط النساء، ولا يرقصون بين النساء، ولا يدخل أقارب العروس الرجال إلى قاعة النساء، ما دامت دعوات أعراسنا واسعة ولا تقتصر على الدرجة الأولى، ولا تقف عند الأقارب فقط.

الفرح الذي يُرضي الله لا تتخلله مشاهد غير بريئة، فلا يتخلله رقصة Slow، ولا تمايل مخل بين العروسين في حال دخول العريس، هو العرس الذي لو حضره أطفال صغار لن تخجل أمهاتهم مما يرون، ولا وضعيات تصوير أمام المدعوين إلا بعد انصرافهم -لو كان مهمًا مع أن المصوِّرة ليست مَحْرَمًا-!

الفرح الذي يُرضي الله لا إسراف فيه ولا تبذير، فـ”ما زاد عن الحاجة يسمى إسرافًا، وصرف المال في غير وجهه يسمى تبذيرًا”، بالتالي تعالوا نفكر في مصاريفنا الكثيرة التي حبذا لو تمتع فيها العروسان بدلًا من تحولها إلى ديون على العريس وعلى عائلته، مثل:

  • المبالغة في شكل كرت العرس في الوقت الذي يمكن أن يكون ورقة عادية، ويمكن استخدام الواتساب وغيره كوسيلة للدعوة والإعلان.

سيقول قائل: (كل واحد يصرف ع قد ما معه)، صح 😊، لكن ما رأيك لو تأملت ما سيؤول إليه الكرت؟ فالكرت بشيكل واحد أو 5 شيكل سينتهي به الحال إلى سلة المهملات.

ثم كم منا مصاريفه لا تتجاوز قدرته المالية؟ لذلك نقف مع مسألة الإسراف والمبالغة، وإذا كانت الفكرة ما سيقول عنا الناس، فنحن هنا نقدم إبهارهم على رضى الله عز وجل، ونقدم إبهار الناس وتفوقنا عليهم، على رحمتنا بأنفسنا.

  • الزينة في القاعات، تكاليف عالية تتراوح بين 3 إلى 10 آلاف شيكل لساعات محدودة لأجل تحويل القاعة إلى استديو، ولإبهار الناس، ولكنها تكاليف بلا معنى، فتخيل لو وفرت هذه أيضًا.
  • حجز مغني، أو فرقة، وهي بخلاف أنها مزعجة للناس، فإن فيها أكثر من مشكلة، التكاليف العالية لساعتين أو ثلاثة، ثم كلمات الأغاني والتي بعضها فيها دعوة للسُكر والحشيش، وبعضها فيها تلميحات غير مؤدبة، وما يتخلل ذلك من رقص للرجال، صحيح أن أعراسنا القديمة كان فيها سهرة للرجال، وكانوا يدبكون ويغنون، ولكن التكاليف كانت أقل بكثير ولا ترهق كاهل العريس وأهله، فما معنى سهرة بعشرة آلاف شيكل؟ أو سهرة مع فتى الساعة بألف شيكل على سخافة وتفاهة؟
  • القاعة وتكاليف الحجز لساعتين، وإذا قلنا عم البلاء فإن المبالغة في تفاصيل الحجز القاعة التي يتبعها؛ تصوير، وزينة، وضيافة، وDJ؛ كلها مصاريف ليتنا نفكر كيف نخفف منها حتى لا تكون إسرافًا ولا تبذيرًا.
  • بدلة العروس التي يتراوح سعرها بين 3000 و10 آلاف شيكل لأجل 3 ساعات، ألا يمكن التفكير بطريقة كي لا تكون تبذيرًا في غير محله؟  إضافة إلى مصاريف الصالون، ومصاريف جلسة التصوير!

ثم أن تشتري معظم نساء العائلة قريبات وبعيدات ملابس بتلك التكلفة لحضور حفل ساعتين، ثم تخزين القطعة أو الاضطرار لبيعها، هذا أيضًا إسراف، فالمشاركة في الفرح لا تستلزم شراء قطعة جديدة، ولا تستلزم تكلفة النفس ما لا تطيق، وحتى لو كانت تطيق فالفرح ليس محصورًا بلبس جديد في ظل ثقافة الاستعراض.

بشكل عام، هناك تكاليف كثيرة يمكن أن تنتهي لو أننا اقتصرنا بالدعوة إلى الفرح على الأقارب فقط، وهذا لا يمنع نقوط العروسين، ولا يمنع من وجود يوم للتهاني.

الفرح الذي يُرضي الله لا تتخلله كلمات لا يخلو بعضها من كلا غير مؤدب ولا محترم، ولا هو الفرح الذي يشبه الموالد، من المهم انتقاء الأغنية المناسبة للمقام التي تدعو للحب، وللفرح، وتُسعد العروسين والحضور، سواء بقص المقاطع غير الجيدة، أو الحرص على الابتعاد عما لا معنى له، والأهم من ذلك عدم الإيذاء بالصوت للحاضرين.

ثم دعونا بطريقة مختلفة؛ لماذا لا تكون سهرة العريس ولمة أصحابه يوم العرس؟ بحيث تنشغل العروس وكل النساء بالفرح، وهو يجد ما ينشغل به، فلا يفقده المباركون عند النساء، ولا تتكلف أخوات العروس وأقاربها عناء التستر لدخوله عليهن.

ولماذا لا يتخلل الفرح فقرات أخرى غير الرقص على ألا تكون مكلفة؟ وغير توزيعات العروس، وغير توزيع الحلوى، وتبادل الرقصات بين أهل العريس، وأهل العروس؟ ومَن أراد التفكير والخروج من قوالب المجتمع الجاهزة يمكنه أن يفعل، ويمكنه أن يسن سُنة حسنة، حتى لو لم يقتدِ به أحد، يكون على الأقل قام بما يجده معبرًا عن قناعاته.

نحن نربي أبناءنا وبناتنا، ونوجههم إلى الخير، ونعلمهم التفكير، وحسن الاختيار، ولكن لا نفرض عليهم خياراتهم، النصيحة واجبة، ولكن كلٌ مسؤول عن خياراته، المهم أن نبذل الجهد في التنشئة السليمة، وألا نمتنع عن النصح والتوجيه، وهذا يكون عزاء كافيًا لنا لو اختلفوا معنا، لكنها أمانتنا ونؤديها.

وكل مَن يفكر بأن يجعل فرحه عامًا فعليه أن يتذكر أن يجُب الغِيبة عن نفسه، ليس ليرضي الناس، بل ليرضي رب الناس، وليبقي صورة الإسلام وأهله بعيدة عن التشويش والتشويه.

8 صفر 1444هـ

04 أيلول 2022مـ

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى