إشراقات سياسية

دروس من انتفاضة الحجارة يحتاجها الفلسطينيين بعد 31 عاماً

31 عاماً تمر على الانتفاضة الفلسطينية الأولى ،التي  أكدت على حقيقة أن الفلسطينيين متمسكين بحقوقهم ،ويرفضون كل محاولات التهميش لقضيتهم التي عادت إلى الواجهة من جديد ،من خلال انتفاضة الحجارة عبر انخراط  الفلسطينيين في انتفاضة شعبية ،وحالة عصيان مدني في وجه الاحتلال الذي كان يسيطر على الضفة الغربية وقطاع غزة ،عبر أساليب نضالية إبداعية من خلال مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال.

وتراوحت الإبداعات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال ومخططاته عبر السعي لإجهاض مشاريعه التي تمس قضيتهم ،وفي مقدمتها قضية القدس،والتي كانت شعلة لاندلاع انتفاضة الأقصى والقدس وعدد من الهبات والموجات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، التي جاء بعضها بشكل عفوي ،رداً على انتهاكات إسرائيلية مختلفة من خلال عمليات منظمة ،أو فردية بعيداً عن قرارات الفصائل وقوى المقاومة الفلسطينية.

ورغم  أن اتفاقية أوسلو 1993 وضعت نهاية لانتفاضة الحجارة وخيبت أمال الفلسطينيين بقدرة القيادة السياسية على استثمار هذه  التضحيات من الشهداء والجرحى والأسرى ،وتوظيف حالة الالتفاف العربي، والدولي لصالح القضية الفلسطيني و الذي  كان للشباب الفلسطيني دوراً برفع الصوت عالياً ضد الاحتلال ، لكن ورغم تجربة أوسلو القاسية أعاد هؤلاء الشبان والأجيال القادمة مرات عديدة الانتفاض وبيت شعلة الانتفاض في نفوسهم ،ليؤكدوا على رفض الخضوع وإنهاء القضية الفلسطينية.

المشهد الفلسطيني يبدو اليوم بائساً في ظل محاولة مستميتة لتغييب لقوى ،ونهج المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية بفعل إجراءات الاحتلال وسياسة السلطة بالتزامن مع توسع الاحتلال في جرائمه ،واستهدافه للأرض عبر مشاريع الاستيطان التي أنهت حلم الدولة الفلسطينية  على أراضي عام 1967 ،عبر تمزيق الضفة الغربية وعزلها عن القدس العاصمة.

ورغم الإجراءات الإسرائيلية المستمرة والتي تترافق مع دعم أمريكي ،ومع خلق وقائع جديدة لم تكن حلماً إبان الانتفاضة الأولى ،بل تجاوزت سيئات اتفاق أوسلو في ظل إتكال فلسطيني رسمي على العمل الدبلوماسي وحرق جميع خيارت المواجهة البديلة ،وما يمكن أن تحقه في ظل مجمع دولي يتكل للمصالح والعلاقات الدولية أكثر منه للحقوق الإنسانية.

ولا يخفى مؤخراً التوجه بالضفة الغربية صوب تفعيل المقاومة الشعبية والتي كان لها دور في تسليط الضوء على قضايا محددة كالخان الأحمر ،وبعض القرى الفلسطينية  لكن دون توسيع هذا الحراك ليشمل بقية المناطق المستهدفة من قبل الاحتلال بالاستيطان، والمصادرة ليشمل حراك الكل الفلسطيني على غرار الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

في واقع الضفة الغربية اليوم  ورغم ما تشهده من حالة سياسية واقتصادية أدت لإنهاك المواطن الفلسطيني من خلال القروض والبنوك ،وأخيراً قانون “الضمان الاجتماعي”، فيما يبدو أنه سعياً لإشغاله بشؤونه اليومية والهرولة صوب تحصيل لقمة العيش لأبنائه  ، فيما واقع المقاومة والتضييق عليها وعلى من ينادون بها ،فيبدو أن الاستفادة من  تجربة الانتفاضة الأولى، وبعض أساليبها في العمل الجماهيري المقاوم ضد الاحتلال ،هو الخيار المتاح حالياً بانخراط فلسطيني واسع وحالة من العصيان المدني في وجه الاحتلال الذي بات يسيطر على مقاليد الأمور بصورة تشابه الى حد ما واقع ما قبل الانتفاضة الأولى رغم انه غير متواجد في مدن الضفة باستمرار.

انتفاضة الحجارة كانت بمثابة ثورة الاحتلال عبر حراك وحدوي منظم  تميز بمشاركة قوى وفعاليات واسعة في برنامج نضالي كان يهدف إلى المس بالاحتلال ومقدراته ،واستنزاف جيشه وظهرت مؤخراً دعوات للنزول للشوارع والوقوف في وجه المستوطنين وقطع الطرقات عليهم من خلال مواجهة تندرج ضمن المقاومة الشعبية ،وهو ما يزعج الاحتلال أكثر من مسيرات وفعاليات يشارك بها الآلاف ،ويلقون الخطابات الرنانة.

الانقسام التي يعيشه  المشهد الفلسطيني منذ سنوات كان لها دور كبير في خلق حالة من العزوف عن المشاركة الشعبية في الفعاليات الوطنية، فلم نجد في أفضل الأحوال مثلاً سوى العشرات من المشاركين في فعالية مركزية بإحدى المدن ، فالعودة للجماهير الفلسطينية بحراك شعبي بدون صبغة فصائلية يكون واضح الوجهة والهدف ربما سيكون أقصر الطرق للخروج من المأزق الحالي.

ورغم كل محاولات إشغال الروح الوطنية ورغبة الفلسطينيين بالمواجهة منذ سنوات عبر سياسات رصدت الملايين لخلق “الفلسطيني الجديد” إلا أن الإرادة الفلسطينية لا زالت حاضرة والرفض للاحتلال وبرامجه والوقوف بجانب المقاومة بكافة أشكالها هو الأمر الذي لا زال الفلسطينيون يجمعون عليه.

واليوم أمام صفقة القرن والوقائع الإسرائيلية على الأرض لم يتبق للفلسطينيين ما  يخسرونه، ولا بد من مراجعة لأصحاب القرار السياسي في السلطة الفلسطينية برفع اليد عن المقاومة الحقيقة ،و العودة بشكل جدي للشارع الفلسطيني الذي لم يخذل يوماً فصائله وقواه الحية ،ولم يبخل حتى بدماء أبناءه عندما يرى أن البوصلة صوب الهدف الحقيقي، كما ولا بد من التوقف عن الرهان على عودة العلاقات مع الإسرائيليين ،وتطبيق قرار المجلس الوطني والمركزي بقطع تلك العلاقات ووقف التنسيق الأمني.

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى