العمل هو الأساس أم الإعلام؟

إشراقات- عبد الرحمن نجم
لَمَّا طالب الشارع الإنسان في غير آية من القرآن الكريم بالإيمان، كان أنْ قَرن هذا الإيمان بالعمل، فجاء العمل مَلْحوقاً بالإيمان على الترتيب متواصلًا دون انقطاع، كلازمة لا تنفك عنه، وهذا لَعمر الله ينم على أمرين؛ الأول: عِظم مكانة العمل، والثاني: عدم تحميل الإنسان عبء الإعلام والإخبار.
ولو طُولب الإنسان ابتداءً بأن يَقرن العمل بالإعلام عنه لَشَق عليه ذلك، ولَتَكلَّفه، ولَصَرفَ عن همته خيرًا كثيرًا كاد أن يظهر على يديه؛ ذلك لأن الاشتغال بالإعلام، وصَرْفَ الهمة إليه إنما يَصْرف الإنسان عن كمال العمل، سواء كان ذلك في الدَّين أم الدنيا.
فالإنسان بطبيعته ما جعل الله له من قلبين في جوفه، فإما أن يستفرغ وسعه وطاقته في “الإيمان” فـ”العمل”، ولا يشغله عنهما شاغل، فيأتيان على أتم صورة، وإما أن يتشتت عن العمل بالتركيز على الإعلام والترويج (الشو ميديا) فيتخلص الإيمان من إخلاصه، فيعلق به من الأدران ما يكون أهونها الرياء.
على أنَّ الحض على تمام العمل لا يعني البتة ترك الإعلام عنه بالكلية في حال القُدرة، وفي حال أَمِنَ صاحبه أن لا يؤثر الإعلام في سلامة العمل؛ إذ الإنسان محتاج في أحايين معينة إلى إظهار عمله إما لرد باطل أو التنبيه على خاطر أو التمهيد لطريق للمخاطب يستن بها.
ولعل أوكد ما يجب اليوم أن يعمد المسلم العامل إليه هو إشهار هذا الإيمان الذي يؤمن به؛ دفاعاً عن الحق، ذلك لأن خلو الساحة عن إيمان مستظهر يُطوِّع للباطل مكانًا فيها، فيشيع الباطل ويفشو في الناس حقًا لا مراء فيه، ليصير مع تطاول العهد أمرًا مستساغًا من طول إِلْفِ الناس له، وههنا لن ينفع الحق أهله في الذود عن الديانة لقلة ظهوره، وانتفاء اشتهاره بين الناس.
ولقد حُكي لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر القرية التي كان أول ما نزل العذاب بها على رجل صالح؛ لأنه كان يعمل بإيمانه في زمن شيوع الباطل، فقدم اعتزال الناس والتصومع (أي: العمل) على مخالطة الناس وبث الحق فيهم (الإعلام)، فكان هذا التقديم الخاطئ للمصالح مدعاة لإشراكه في العقوبة مع أهل الباطل؛ إذ كان ينبغي له أن يقرن العمل بالإعلام.
والحق أن على الإنسان أن يَزِن المصالح ويُرجح بينها؛ فلئن كان الأصل هو العمل وحسب، فإن ذلك يعني أيضًا أن ثَمَّ حالات بعينها تستنطق الإنسان الإظهار عن العمل بالإعلام لإزهاق الباطل المنتشر بين الناس.
أما أن يجنح المسلم للإعلام قبل أن يعمل بإيمانه فإن ذلك يُفوتُ عليه استجلاء صورة الحق، ويحرفه عن الطريق، وبهذا نستيقن أن العمل هو الأساس ما لم تك ثَمَّ حاجةٌ آكدة لإعلام، حينها يُلحق الإعلام بالعمل، على حين أن حَرْق المراحل تعجلًا بجعل الإعلام أولًا، والعمل ثانيًا لا يؤدي إلى الغاية التي وُجد الحق لأجلها.