اشرقات ثقافية

غزل إسلامي شريف

بقلم: ندى ناصر

هل تعلمون ما الفرق بين الحب العذري والحب الصريح؟ لا شك في أنكم تعرفون فقد خصصت المناهج الدراسية له فصولاً كامله تحكي الحب العذري بين قيس وليلى وعبلة وعنترة، حسنًا هل تعرفون ما الفرق بين الحب المتدين والحب غير المتدين؟ غالبًا لا، ربما لأنه موضة جديدة، شيء مثل البيرة الحلال “مشروب شعير معبأ في زجاجات تشبه قناني الخمر ولكن بدون كحول”، والعرس الإسلامي المختلط “لباس العروس لا يكشف شيء من جسمها وطرحة الرأس تغطي الشعر، لكن مع ظهور مواد التجميل على الوجه والرقص وحركات السلو أمام الضيوف من كلا الجنسين”، شيء مثل المعاكسة الشريفة “شاب يعاكس فتاة بأدب فيقول لها “تبارك الخلاق”.

وكذا هو الفرق بين الحب المتدين والحب غير المتدين، منذ فترة بسيطة لفت نظري انتشار ظاهرة الحب المتدين في اتجاهين، الاتجاه الأول هو تداول المنشورات الرومانسية على صفحات الشبان والشابات على الفيس بوك ولكن في إطار ديني، يتبادل الجنسين إشارات الحب بل ويتم إعادة نشر البوست نفسه مع تغيير اتجاه الهدف “تحويل التذكير إلى تأنيث والعكس”، وإدخال أطر ورموز دينية في الغزل تضفي عليه قداسة وشرعية زائفة، فبدلاً من أن يتغزل الشاب بجمال عيون الفتاة فإنه يتغزل بحجابها، وبدلاً من أن تتغزل الفتاة بعضلات الشاب فإنها تتغزل بحسن صلاته.
كهذه البوستات مثلاً..

ومن شدة حبها تدعو له في كل ليله
اللهم إن كان لي خيرًا فاكتبه لي . .
وإن كان شرًا . . ف اهدهِ ثم اهدهِ ثم اهدهِ #واكتبه_لي

#وحين أبصرت بيت الله الحرام، دعوت الله ألا تكون لغيري.

#كم أتوق لصلاةٍ تجمعني بك، لدعاء يجمعني بك..
أنت الإمام وأنا ورائك وقلبي يردد اللهم آمين.

#وحين التقيته قلت له: روحي فداك..
فأجابني: روحك لي.. وأهفوا إلى الجسد..

#جميلةٌ أنت..كصلاة تراويح..
وفريدةٌ أنت.. كليلة قدر..

لقد شاهدت وبشكل صادم العديد من النماذج التي تنشر مثل هذه البوستات بشكل طبيعي كأنها لا تنتقص من حياء أحد الجنسين أمام الجنس الآخر، بل ويُرى فيها تعبير طبيعي عن رغبات الإنسان في إطار إسلامي ملتزم، وإن كان البعض سيرى فيما يجري جزءًا من محاولة ترغيب الآخرين في التدين بتمييع حدوده فإني أراه استدراجًا للمتدينين خارج حدود الشرع نفسه، فمنذ متى يكون من الحياء أن تعلق فتاة على منشور شاب ولو في صفحة عامة بإشارات الحب؟

الاتجاه الآخر للحب المتدين، ولست أملك مسمىً آخر له حاليًا، هو الانتشار المذهل للروايات الرومانسية الملتزمة أو المتدينة، وقد شاء لي القدر أن أطلع على بعض منها، فوجدت فيها ركاكة لغوية بارزة “يتم استخدام لهجة الشارع العامية بدلاً من الفصحى”، ناهيك عن أن أحداث الروايات لا تقل فجاجة عن أي رواية رومانسية غير ملتزمة، “محاولة اغتصاب، رجل مطلق يقع في حب أمرأة مطلقة تلجأ له لحمايتها، شاب يعجب بفتاة ترفض مصافحته لكنها توافق على شرب العصير معه في المقهى، فتاة يتم تزويجها رغم إرادتها لشاب غني يشرب الخمر ويعربد مع النساء، فتقع في حب أخيه الملتزم”، الفرق الوحيد والظاهري بينها وبين الروايات الرومانسية “الإباحية” هو ارتداء البطلة لطرحة الرأس، والتزام البطل بالصلاة، وخاصةً صلاة الاستخارة قبل عقد النية على الزواج، كل من البطل والبطلة لا يتصافحان لكنهما يتبادلان مشاعر الحب وكلمات الغزل كما هي، تمامًا كما هي.

هذان الاتجاهان “تداول منشورات الحب الملتزم” “وانتشار الروايات الرومانسية الملتزمة” يعيدني إلى كتاب قرأته سابقًا بعنوان “إسلام السوق”، يطرح هذا الكتاب نموذجًا جديدًا للشباب المسلم، غير مرتبط وجدانيًا وروحيًا بذاته، يستسقي مظاهر الحضارة الغربية كما هي ويضفي عليها جزءًا من طابعه الديني بشكل لا يضر برغبته في تقليدها ولا يخل بمظاهر ورعه وتدينه، تحافظ المرأة فيه عن لباسها الديني لكنها لا تتنازل عن حقها في التمتع بمياه البحر، فترتدي “البوركيني”، يرفض الرجل فيه صحبة النساء لكنه لا يبالي بالأخوية الحلال، شيء قال عنه المؤلف باتريك هايني أنه الاتجاه الجديد في الدمج بين الآخر غير المتدين والأنا المتدين وفق نظرية “تشفير الهويّة الدينية”، حيث تجري عملية إعادة تعريف الهوية الإسلامية من خلال مفاهيم العلامة التجارية “رغبة الزبون وما يطلبه” وليس من خلال المعايير الدينية “الحدود والمحرمات”، وفي الوقت نفسه تطوير التزامات دينية “ناعمة” “البوركيني، الروايات الرومانسية الملتزمة، البيرة الحلال” تجعل العلاقة بالدين إطارًا فضفاضًا لا يمكنه التحكم بالفرد ولا الحكم عليه.
بالمناسبة.. عمرو خالد وجماعته جزء من الإسلام المودرن الذي ركضنا خلفه لاهثين دون أن ندري أي سراب هو.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى