تربوية

التعليم في بلدي أمل وألم

بعد مرور ما يُقارب الثلاثين عامًا قضيتها أطوف في مدارس بلادي وانتقالًا بين جامعتين عريقتين فيها؛ جامعة النجاح في نابلس وجامعة القدس في جوار القدس.
سأتحدث بألم عن منظومة التعليم في بلدي فلسطين، وما يحفها للأسف من (تخلف اجتماعي) ليس بالبسيط، عذرًا … تحملوني وتفهموا رأيي … النظام هنا في هولندا ومثلها ألمانيا فيما يتعلق بمنهجية التعليم قد قلب رأسي وفؤادي رأسًا على عقب، التعليم هنا يعتمد و يهدف إلى خلق مواطن صالح مبدع في مجاله ومتقن له أيًا كان هذا المجال، هنا لا يوجد لوحة شرف لأوائل الطلبة، ولا ذكر أبدًا لمعدلات التسعينات، ولا يُعرَف من هو أول الصف وثانيه وثالثه و( الطشي ) فيه، بل هي تقديرات عامة بين ال أ و د، هنا تترابط أركان منظومة التعليم سويًا منذ الصغر حتى يتوجه كل طالب إلى ما يبرَع ويُبدع فيه؛ كلٌ حسب قدراته وشغفه وإبداعه.
هنا تختفي المقارنات المجحفة بين الجيران وأبناء العم وبنات الخال بناء على حصولهم على علامات قد قتلت الإبداع وشتتت الأفكار وشوشت على التوجه الصحيح.
مأساة التخلف المجتمعي في بلادي ليس لهفة أبنائها على علاماتهم، فرغم أنوفهم انخرطوا في منظومة الفشل هذه، إنما في عبارات مجحفة وغبية كانت تتردد على الملأ في مدارسنا، ويا أسفي، تقول مثلًا:
(ساقطة علمي و لا ناجحة أدبي)، مالكم كيف تحكمون !!
أخرجوا لنا من أهل الأدب واللغات والقانون وكل الحِرف اليدوية ما يليق بنا شغفًا وإبداعًا وإتقانًا.

حتى أنني أذكر أن طالبة متعجرفة قد جاءت من بلد أجنبي مرة وقالت لي في وجهي: (استعدي سأمحوك من لوحة الشرف)، وياللقهر لما كنت الثانية ولست الأولى على الصف من بعدها، هذا الضغط النفسي وأنا ما زلت من الأوائل، فكيف الحال بالطالب المتوسط.

(معلمة غالية على قلبي تقول للأخرى إن ديمة معدلها ٩٦,١ وفلانة معدلها ٩٦,٢ إذن ديمة هي أولى الشعبة أ وفلانة هي أولى الشعبتين)
وحسبي ربي … بقي أن تحسبي الانحراف المعياري لمعدلاتنا وما هي الفائدة أخبريني.

يا أهل بلدي:

بعد ما عشت بهالبلد قريب العشر سنين تعلمت أنه بليط متقن أحسن من طبيب متاجر .
منظومات غريبة عجيبة … فابنة الطبيب يجب أن تدرس من الطب أو تفرعاته جانبًا ولو شغفتها اللغة العربية حبًا … وابن المهندس وجبت عليه الهندسة ولو رأى في القانون وتطبيقه غاية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى