أهم العناوينمقالات

الأكلات الشعبية الفلسطينية في دائرة صراع البقاء

ثقافة وفن |

بقلم:  عريب منير مقبول – جنين
صاحبة مطبخ بيتي للتواصي والمعجنات

تواجه الأكلات الشعبية الفلسطينية تحديات جمّة، تتمثل في عدة عوامل وأسباب، هذا في الوقت الذي يحاول فيه الاحتلال %d8%b9%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d9%85%d9%82%d8%a8%d9%88%d9%84الإسرائيلي سرقة كل مأكول فلسطيني مميز ونسبته إلى نفسه، وفي هذه النقطة تحديدًا سأكون صريحة ولن أجامل؛ فقد سرق المحتل منا _على سبيل المثال لا الحصر:  أكلة الزعتر المطحون، أي ما يعرف بـ(الدّقة) وصار من أكلات خواصهم وعوامهم، لدرجة أنهم تفوقوا في الأمر، والعلة فينا فنحن لا نسعى لتحسين وتجويد أكلاتنا الشعبية، أما هم فإن “الدقة” التي يصنعونها لا تقتصر على الزعتر والملح والسماق والسمسم، بل أضافوا لها مواد أخرى، زادت من لذة طعمها، وحسنت نكهتها، وكان الأولى بنا ونحن شعب لطالما تفاخر-وسنظل-بهذا المأكول أن نكون سباقين إلى تحسين أطباق مأكولاتنا الشعبية.
المثال السابق يقودنا إلى لفتةٍ هامة وهو ضرورة أن تواكب مأكولاتنا الشعبية أذواق الأجيال الجديدة التي تختلف بالضرورة عن الأجيال السابقة؛ وأرى أن نتعامل مع الموضوع بمهنية واحترافية، ليس فقط من باب التراث وإحيائه بعواطف ارتجالية؛ وإنما من خلال تخصص أفراد أو هيئات في الحفاظ على المأكولات الشعبية من الاندثار عبر تطويرها وترغيب الناس بتناولها والترويج لها محلياً وعالمياً بشكل يتناسب مع الأذواق المختلفة والطبقات الإجتماعية المتنوعة.
لا سيما وأن كلفة بعض المأكولات الشعبية أصبحت باهظة بحيث لا يستطيع قطاع واسع من الناس أكلها الا في مناسبات محدودة جدا؛ وهذا في زمن زاد فيه انتشار ثقافة الوجبات السريعة، وميل الجيل الجديد، إلى تناول هذه الوجبات على حساب مأكولاتنا الشعبية.
ورغم ذلك فمما لا شك فيه، بأن بعض مأكولاتنا الشعبية ما زالت مشتهاة ومرغوبة وحاضرة، مثل المسخن الفلسطيني مثلاً؛ بل إن نوعا من الحلويات وهو (قطايف رمضان) ما زال ضيفاً دائماً على المائدة الفلسطينية كنوع من (التحلاية) لأهل البيت الفلسطيني وزائريهم وضيوفهم، منذ عهد الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، حيث تشير بعض المصادر التاريخية أن القطايف قد اخترعت وجرى تحضيرها كي تعينه على تحمل جوع صوم الشهر المبارك.
ولكن هناك أطباق وأكلات مهددة بالانقراض، إما لأن أذواق الناس لم تعد تعبأ بها، وإما لأسباب أخرى منها تسارع انحسار الأراضي البرية وتغير المناخ في بلادنا، ناهيك عن تلوث البيئة، فالخبيزة واللوف والعلك مثلا، لم تعد مرغوبة أو ذات شعبية في موسمها لكل البيوت الفلسطينية كما كانت، ناهيك عن أن الكمية التي تنبت في السهول والسفوح أضحت قليلة في ظل ازدياد المد العمراني وتراجع الخضرة.
وأخيرا وليس آخرا فمما تمتاز به الأكلات الشعبية الفلسطينية أن لبعضها علاقة بالمنطقة ورغبات وذائقة سكانها، فمثلا أهالي نابلس يشترون (العكوب) ويخزنّونه ويحتفون بأكله ويعتبرونه (أكلة ملوكية) ولكن في مناطق أخرى لا تجد نفس الرغبة والحماسة لهذه الأكلة.
بقي أن نقول أن صراعنا مع المحتل لن يتوقف عن حد معين أو تراث محدد، وأن أبسط عاداتنا اليومية وصباحنا الذي يبدأ بكوب شاي بالميرمية أو النعنع وطبق من الزعتر الأخضر مع رغيف الطابون الساخن هو دليل على بقائنا وإصرارٌ على استمرار إرادتنا بالحياة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى