
سلسلة أبحاث تربوية: الحلقة السادسة
المدارس الخاصة بين المزايا والعيوب:
قد يبدو التعليم الخاص الوضع المثالي لكثير من الوالدين بخصوص مستقبل أبنائهم، ولكنّ هذا النوع من التعليم يأتي مع مزايا وعيوب ينبغي على الوالدين أن ينظرا إليها بعناية، حيث هناك مجموعة كبيرة من العوامل التي تقرر ما إذا كانت هذه المدرسة مناسبة أم لا.
إن الحديث عن مزايا المدارس الخاصة، قد لا يتوافر بالضرورة في جميع المدارس بنفس المستوى والمميزات، ولكنّ المزايا تتوافر وبنسب متفاوتة في هذا النوع من التعليم مما يجعله يلاقي استحساناً وإقبالاً من الوالدين لإلحاق أبنائهم فيها، والحديث عن هذه المزايا في هذه المقالة جاء ليكون مشجعاً لمدارسنا الفلسطينية الخاصة لمعرفة ما يميز المدارس الخاصة وتشجيعها على الاقتداء بها، والتطوير والتحسين بشكل دائم.
أولاً: مزايا المدارس الخاصة:
- السمعة الأكاديمية:
كل مدرسة خاصة فريدة من نوعها ولها شخصيتها التي تميزها، والإحساس بالانتماء للمجتمع مهمتها الخاصة، هذا التفرد هو جوهر المدارس الخاصة، وهذه ما يجعل منها خاصة بالفعل.
إن الاختلاف الكبير بين المدارس الخاصة بين بعضها أو المدارس الحكومية يتجلى في جانب مهم، وهو السمعة الأكاديمية لكل منهما، فلكل مدرسة خاصة سمعتها التي تميزها عن نظيراتها، كذلك تمتاز في النظم والقوانين المدرسية والإدارية المطبقة على الطلبة والمعلمين فيما يتعلق بقواعد السلوك والانضباط، وتختلف تلك النظم والقوانين عن المدارس الحكومية من حيث قوة التطبيق والمتابعة. وبهذا التميز في التعامل مع القوانين وسنّ قوانين خاصة تنظم عملها تكون المدارس الخاصة أكثر حرصاً فيما يتعلق بسمعتها الأكاديمية، ويعتبر هذا الجانب بمثابة المغناطيس الذي يجذب الآباء لإلحاق أبنائهم فيها.
ومن صور السمعة الأكاديمية لدى المدارس الخاصة حرصها على استقطاب الكفاءات من الموظفين والمعلمين من حملة الشهادات العليا ومديري هذه المدارس يبحثون عن الكفاءة لاختيار مرشحي وظائف التعليم، وتعتبر استجابة وتفاعل مديريها ومعلميها، وتقبلهم للنقد والاهتمام بملاحظات أولياء الأمور وأخذها بجدية من أبرز مميزاتها.
ولقد أصبحت هذه المدارس تخرّج في السنة الطلبة بمعدلات جيدة تؤهلهم إلى دخول الجامعات واختيار التخصص الذي يصبون إليه، ومع ازدهارها أرسلت أغلب العائلات المقتدرة أبناءها إليها لكي يطمئنوا على مستقبلهم.
وقد أشارت دراسة لوزارة التربية والتعليم أن نسبة المتسربين في فلسطين من المدارس الخاصة معدومة مقارنة بالمدارس الحكومية ومدارس وكالة الغوث، وهذه بدوره يؤدي لزيادة سمعة المدارس الخاصة وقدرتها على الحفاظ على طلابها والاهتمام بهم.
- نسبة أعداد الطلاب:
كلما زادت نسبة الطلاب المخصصين للمعلم لتدريسهم زاد العبء عليه وعلى إدارة المدرسة في تنفيذ وتحقيق أهدافها، وتزداد بالتالي إمكانية إهمال بعض الطلاب من المشاركة الفاعلة فيها، أو توفير الاهتمام المطلوب لهم في العملية التعليمية.
وأن التعرض لضغوط العمل كان بصورة أكبر في المدارس الحكومية مقارنة بالمدارس الخاصة وذلك لعدة أسباب أهمها نسبة أعداد الطلاب في الصف ونصاب الحصص الأسبوعي.
ومن المزايا في هذا المجال نسبة أعداد الطلاب بمساحة الغرفة الصفية، أو الساحات والملاعب الخارجية، والقاعات المخصصة للأنشطة الطلابية حيث تعتبر هذه المميزات السابقة من أهم ما يميز المدارس الخاصة في هذا المجال، حيث قد يكون لدى معلميها عشرون طالباً مقابل ثلاثين أو أربعين طالباً في الصفوف الدراسية في المدارس الحكومية.
وأنه لا يمكن لأي طالب أن يكون مجرد رقم فيها، فهو لن يكون قادراً على الانطواء أو الاختفاء عن عيني المعلم مع الفئات الخلفية من الطلاب لأنه لا وجود لهم أصلاً لأن العديد من المدارس الخاصة تستخدم أسلوب (هاركنس HARKNESS) في التعليم حيث يجلس عدد قليل من الطلاب حول طاولة المشاركة في المناقشات، ويكثر هذا الأسلوب في المدارس الداخلية وتكون على غرار جلوس الطلاب حول مائدة الطعام.
- البرامج الخاصة:
تقع على عاتق المدارس الحكومية مسؤولية تعليم جميع الطلاب، ويكون من بينهم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة (سواء أكاديمياً أو جسدياً أو عقلياً) وهذا يشكل عبئاً كبيراً للتوفيق بين هذه الفئات من ناحية المناهج والنشاطات الخاصة ويضع هذا الجانب مديري المدارس أمام تحد كبير في التوفيق بين المنهاج المقرر وبين مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب.
أما المدارس الخاصة فتكون لديها برامجها المخصصة لرعاية الموهوبين، ونادراً ما يكون لديها برامج مخصصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة إلا إذا كانت مدرسة للحالات الخاصة. حيث تهتم ببرامج رعاية الموهوبين بشكل خاص، والفنون بأنواعها لجميع الطلاب ولمختلف المستويات والأعمار، ويكثر فيها اصطحاب الطلاب في رحلات علمية وترفيهية خارجية، ولها أن تخترع وتبدع في برامجها بشكل مستمر؛ لأن لديها المرونة لإنشاء برامجها المتخصصة دون قيود وبيروقراطية المدارس الحكومية.
- التعليم الديني، وتنمية الأخلاق:
وهذا العامل يتوافر بشكل ملحوظ في بعض المدارس الخاصة، لأن التعليم الديني، والاهتمام الأخلاقي، لا يعتبر جزءاً رئيسياً ضمن برامج التعليم الحكومي، وبعض المدارس الخاصة تعمل على تعزيز القيم الدينية والأخلاقية وتنمية ثقافة أخلاقية مميزة لها ولطلبتها، بالإضافة إلى دعم القيم المدنية والحقوق العامة والخاصة، وتفعيل المشاركة السياسية والاجتماعية وأن نسبة عالية من أولياء الأمور يرسلون أبناءهم إلى المدارس الخاصة بسبب تراجع القيم الأخلاقية، وانعدام الانضباط، وحتى غياب القيم الأساسية للطالب، وكذلك يميل الآباء لتسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة لتحقيق أكبر قدر ممكن من القيم الدينية والاجتماعية والتي تتماشى مع قيم الوالدين.
كذلك فإن المدارس الخاصة ذات الطابع الإسلامي لها دور رائد في مواجهة السلوك الثقافي المخالف للمعايير الإسلامية وتميزها عن غيرها في هذا الجانب مما يدفع الأهالي إلى إلحاق أبنائهم فيها.
وأن نظرة الوالدين لتعزيز القيم الأخلاقية والاجتماعية تأتي من خلال فصل الجنسين في التعليم، وأن الاختلاط في المدارس يعلب دوراً هاماً في هذا المجال، حيث تزداد في المدارس المختلطة المشاكل الأخلاقية والخروج على القيم الاجتماعية والدينية في سن مبكرة للطلاب والطالبات، لذلك يبحث كثير من الآباء عن مدرسة خاصة للذكور أو الإناث فقط، وهناك العديد من المدارس الخاصة التي تبنت هذه الوجهة فأنشأت مدارس خاصة ومخصصة لكل جنس.
والافتراض العام هو أن مثل هذه الترتيبات المدرسية حول فصل الجنسين سواء في المدارس غير المختلطة أم في الفصول غير المختلطة تعتبر بمثابة حقائق ثابتة، ولعلها تمييزاً أو فصلاً طبيعياً بينهم
إن السبب الرئيسي في الاختلاف بين المدارس الخاصة والمدارس العامة يتركز في الخصائص الاجتماعية للطلبة وأولياء الأمور من حيث تركيزهم على البحث عن القيم الاجتماعية في المدارس الخاصة مما يسهم في زيادة تحصيل أبنائهم كماً ونوعاً، وذلك أن الاختلافات في القيم الاجتماعية والأخلاقية في المدارس الحكومية لا تدعم هذا التوجه الأخلاقي والديني للباحثين عنه بسبب طبيعة الطلاب وتكوينهم من شرائح اجتماعية مختلفة.
- البرامج الأكاديمية الإضافية، والنشاطات اللاصفية:
تهتم المدارس الحكومية بتقديم وتعليم برامج التعليم العام المصممة لجميع الطلاب، وتشمل على الأغلب:( الرياضيات، واللغات “اللغة الأم واللغة الإضافية”، والعلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، والرياضة والفنون)، وما يتعلمه الطلاب يتقرر من قبل الدولة، ويتم قياس التعليم من خلال الاختبارات المقننة التي تقيس المهارات الأساسية لكل مادة من المواد.
لذلك يوجد في بعض المدارس الخاصة، مرافق خاصة ببعض البرامج الأكاديمية الإضافية، وما يميزها البرامج البعيدة عن النمطية المعروفة، وتركز على الفنون بأنواعها، وهذه النشاطات تخفف من مشكلة عدم انضباط الطلاب خاصة الذين في مرحلة المراهقة لذلك يتميز طلاب المدارس الخاصة بأنهم أكثر انضباطاً نتيجة لانشغالهم بالدراسة وتوافر الأنشطة المتعددة والمتنوعة التي تملأ أوقات فراغهم ولا تشعرهم بالملل.
إن المدارس الخاصة لديها المرونة لإنشاء برامجها المتخصصة لخدمة طلابها ويكثر فيها اصطحاب الطلاب في رحلات خارجية علمية، ولها أن تبتكر في مناهجها، وتقيم صلاحيتها ومستواها بشكل مستمر، لذلك يلجأ الكثير من الآباء إلى المدارس الخاصة للحصول على المناهج البديلة والإضافية عن مناهج التعليم
والمدارس الإسلامية الخاصة تلعب دوراً مهماً في مواجهة أنماط السلوك الثقافي المخالف للقيم الدينية، والتي يمارسها الطلاب بحق معلميهم ومدرستهم وأنفسهم وزملائهم، وهذا ما يشجع الوالدين على إرسال أبنائهم إليها لاهتمامها بتدريس وغرس القيم الدينية والأخلاقية.
- تأهيل الإداريين والمعلمين:
إن معلمي وإداريي المدارس الخاصة أكثر رضا عن مهنة التدريس من غيرهم، هذا وتقوم المدارس الخاصة باختيار معلميها وفق شروط واضحة ومحددة ومنها لديهم شهادات متخصصة في مجال عملهم. والأولوية لحملة الشهادات العليا حيث أن نسبة 80% من مدرسي المدارس الخاصة من حملة الشهادات المتقدمة في تخصصهم.
كما أن بعضها تخصص لمعلميها الوقت اللازم للنمو الذاتي ليكونوا مؤهلين لتدريس المنهاج حيث أنهم يعدون الطلاب إعداداً يتوافق مع المستويات التي تسمح للطالب بتخطي الامتحانات وبدرجات عالية لبلوغ المستوى المطلوب للدراسة الجامعية.
وتعتبر المدارس الخاصة أكثر ابتكاراً لأساليب التدريس حيث أنها ابتكرت أساليب أكثر جاذبية للتعليم من خلال التأهيل الجيد لمعلميها من خلال استخدامهم برامج متقدمة ومحوسبة تمكن الطلاب من الاستفادة القصوى، ومن المميزات الهامة في معلميها أنهم أكثر تقبلاً لآراء ونصائح الأهل حول ما يخص أبناءهم فيما يتعلق بتعليمهم وقدراتهم ومراعاة الفروق بينهم.
ورؤساء هذه المدارس يبحثون عن الكفاءة لمرشحي وظائف التعليم وغيرها في المدرسة، كما أن مدرسيها نادراً ما يجدون شيئاً يدعوهم للقلق من الانضباط؛ لأن الطلاب يعرفون أنهم إذا تسببوا في المشاكل، فإنه سيتم التعامل معهم بسرعة، ودون اللجوء لأسلوب أن يكون المعلم شرطياً.
أن أهم صفات العاملين في قطاع التعليم الخاص من معلمين ومعلمات تتركز في الطموح والرغبة في النجاح، ولديهم درجة عالية من الرضا الوظيفي، والثقة بالنفس والعزيمة والاستقلال، والانضباط والمرونة، والقدرة على الإنجاز بالإضافة إلى المواصفات الأكاديمية من مؤهلات دراسية ومهارات تقنية ودورات تدريبية. بالإضافة إلى استخدامهم أسلوب التعزيز الاجتماعي وابتعادهم عن الديكتاتورية في تعاملهم مع الطلبة وتميزهم في القدرة على التفكير الابتكاري.
- التكامل في تنمية شخصية الطالب:
وتتلخص أهم المميزات التي تدفع الأهل لاختيارها لأبنائهم- حسب نتائج عدة أبحاث ودراسات- تركيزها على التكامل في تنمية شخصية الطالب في مختلف الجوانب حيث أن إعداد الطالب علمياً ليكون مستعداً للدراسة الجامعية يسير بشكل متوازٍ مع تنمية الشخصية ليفهم ويدرك الطالب الغرض الكبير لحياته، ويعرف ويفهم من هو وأن نسبة الأذكياء فيها أكثر، ووجود هؤلاء الأذكياء سوياً يجعل المدرسة تبذل قصارى جهدها لمدهم بالفكر والعلم إلى أبعد الحدود، ولا يشعر الطلبة الأذكياء أنهم محط سخرية اجتماعية.
- الزي الموحد:
أن بعض الدراسات أظهرت أن الزي المدرسي الموحد يعزز المساواة بين الطلاب ويلغي الفروق الاجتماعية والطبقية بينهم بالإضافة إلى بعض الفوائد الأخرى كالمظهر الجذاب للطلاب في الصفوف والساحات، ويعتبر الزي المدرسي بمثابة هُوية لبعض المدارس، بالإضافة إلى بعض الفوائد الأخرى كسهولة تمييز الطلاب والتعرف عليهم خارج المدرسة ولوحة إعلانية تنتقل من مكان لآخر، ويعتبر ميزة أساسية حيث كثرت في الآونة الأخيرة الملابس التي لا تتناسب مع القيم والأخلاق والعادات والدين.
- التكوين الاجتماعي:
إن التكوين الاجتماعي الأفضل للمدارس الخاصة يسهم بشكل كبير وفي كل المستويات لصالحها، وبدا واضحاً أن المناخ الاجتماعي فيها يسير على نحو أفضل.
فقد أنشئت مدارس خاصة لها قيمتها الواقعية، وفيها التنوع، حيث أنها تسعى لاستقطاب الطلاب من كل الخلفيات العرقية، والدينية، والثقافية حيث أصبح مفهوم المدرسة النخبوية في الوقت الحالي، يختلف عما كان عليه سابقاً، وأصبح التنوع في بعض المدارس الخاصة مصدر فخر لها.
- معاملة الطلاب:
كذلك الحصول على التعليم الأفضل يتم من خلال معاملة الطلاب باحترام والابتعاد عن العقاب البدني والإهانات اللفظية والسباب والشتائم ومحاربة الألفاظ الخارجة عن نطاق الآداب العامة سواء من الطلاب أو المعلمين وإكسابهم سلوكيات اجتماعية متعددة مثل آداب الحديث.
كذلك معاملة الطلاب بالمساواة ومناقشة الأخطاء معهم وتوحيد نظام الثواب والعقاب واتصاف النظام الإداري بالديمقراطية (في المدرسة والصف) يؤدي إلى تخفيف السلوك غير المنضبط.
ثانيا: عيوب المدارس الخاصة:
إن التعليم الخاص وما يتمتع به من مميزات تميزه إلا لأنّه ينطوي على بعض العيوب كما أشار المتخوفون منه، سواء أكانوا كتاباً أم باحثين، وهذا الحديث عن العيوب أو المساوئ -كما أسماها البعض- ورغم محدوديتها، ولكنها جاءت نتيجة دراسات وأبحاث تناولت هذا الجانب بشكل محدد، وإن الإشارة إليها تأتي ضمن الوضع الطبيعي للتعليم الخاص إذ لا يمكن أن يتوافر تعليم ما دون عيوب تشوبه. ومنها:
- التكلفة:
أشارت العديد من نتائج الدراسات التي أجريت حول التعليم الخاص أن تكلفته تشكل النظرة الأولى بالنسبة لمعظم الناس عند اختيارهم له لتعليم أبنائهم، حيث أن بعضها مكلف جداً، وتلعب ميزانية الأسرة فرقاً كبيراً في الخيارات المتاحة أمامهم لاختيار المدرسة الخاصة دائماً.
وأن نظرة الآباء للتكلفة كأكبر عيب في التعليم الخاص لأنه قد يوازي أحياناً التعليم الجامعي في التكلفة حيث أن بعض المدارس تتقاضى على الطالب –بالإجمال- عشرات الآلاف من الدولارات ما يكفي لتعليم طالب في أفضل الجامعات. وأن الأسر من أصحاب الدخل المحدود والمهن العادية يرسلون أبناءهم للمدارس الحكومية بسبب التكلفة العالية لتعليم أبنائهم في المدارس الخاصة.
إن الربح المادي قد يدفع المدارس الخاصة إلى تكرار الامتحانات خلال الفصل الدراسي؛ بغية تحسين أداء الطلاب في الاختبارات النهائية، وهذا الأمر يرضي ولي الأمر، فيبقي ولده في المدرسة.
وهذا التساؤل حول الأسباب التي تدفع أولياء الأمور إلى إلحاق أبنائهم في المدارس الخاصة ودفع الأموال لتعليم أبنائهم على الرغم من توافر التعليم بالمجان في المدارس الحكومية يعود لقناعة راسخة عن الوالدين على ضرورة التضحية بجزء من ميزانية الأسرة وتحمل ذلك للحصول على الأفضل لأبنائهم وتحمل تكلفة المدرسة الخاصة الملائمة.
- تعزز التفاوت، والطبقية في المجتمع:
قد تعتمد بعض المدارس الخاصة على الانتقائية في قبول الطلاب للدراسة فيها، وتقوم بفصل الطالب عن محيطه الاجتماعي الذي يألفه ويتعايش معه، وتضعه في محيط مختلف من حيث نوعية الطلاب ومستواهم الاقتصادي والاجتماعي.
كذلك تعتبر المدارس الخاصة أقل طبقية في مجتمعها الداخلي بمعنى أن الموجودين فيها هم من نفس الطبقة الاجتماعية أو بالقرب منها، وقلة الأعداد الموجودة فيها تقدم فرصاً أقل للطالب للتعرف على الطبقات الاجتماعية الأخرى مما قد يضر بتكيفه مع المجتمع مستقبلاً. حيث أن معظم أصدقاء الطالب يذهبون لمدارس حكومية لذلك لا يحصلون على فرصة لرؤيتهم بالقدر الكافي فينتج عن ذلك قلة الفرص الاجتماعية المقدمة للطالب بالإضافة إلى صغر حجم الطلاب فيها وكثير من الطلاب يفضلون أن يكونوا مع أعداد أكبر من الطلاب.
إضافة إلى غياب التماسك الاجتماعي بين الطالب ومحيطه الاجتماعي بسبب قيام أغلبية المدارس الخاصة بتعزيز قيم معزولة عن قيم المجتمع المحيط بالطالب الذي يعيش فيه، وبالتالي فهي تحد من إمكانياته على الخطاب والحوار السائدين في محيطه وبمعنى آخر تأصيل ثقافة الاغتراب داخل محيطهم ووطنهم والحد من إمكانيات تكيفهم مع بيئتهم الأصلية.
- تعزز سلطة الوالدين على الطالب والمدرسة:
إن ممارسة الآباء والأمهات الكثير من السلطة على أبنائهم خوفاً من خسارة المبالغ المدفوعة، وخوفا من خسارة الطفل من السلبيات والعيوب الواضحة، وقد تتنازل المدارس الخاصة لمطالب الوالدين حرصاً على إرضائهم حتى عندما لا تكون هذه المطالب في مصلحة الطالب
وبما أن التعليم في المدارس الحكومية، –ولفترة طويلة- لم يكن يحترم مفهوم حقوق الوالدين في تعليم صغارهم، وإبداء النصح والمشورة، أو التدخل عند الضرورة، حيث كان هذا الحق مغموراً من بيروقراطية المدارس الحكومية ومديريها، وهذا أدى في كثير من الأحيان إلى صراع بين السلطة المهنية للمدرسة، والسلطة المعنوية للوالدين، وأصبحت العلاقة بين الآباء والسلطات المدرسية، يشوبها نوع من العداء في كثير من الحالات، حيث أدى هذا الوضع إلى زيادة التدخل من قبل الوالدين في المدارس الخاصة، ووصل الأمر أحياناً إلى التدخل في تعيين المعلمين أو رفض بعضهم.
- الربح والخسارة:
إن المدارس الخاصة في حقيقة أمرها ربحية، أي تقوم على مبدأ الربح، ومستفيدة من تخفيض أو إعفاءات الحكومات الضريبية، إن الاستثمار في العقول عمل حساس ودقيق يجب أن يرافقه استشعار حقيقي لقيمة الأمانة الكبيرة التي يسعى بعض الأثرياء لتقويضها بجشعهم اللامتناهي، فإذا كان التعليم الذي تتلقاه الأجيال ضعيفاً أو متهالكاً؛ فإن ذلك سيؤثر سلباً في المستقبل، وتتلخص المشكلة بأن ملاك بعض المدارس الخاصة شبه أميين وليس لديهم أي خلفيات ثقافية تؤهلهم للخوض في هذا المجال، فحرصهم على المنصب إلى الجانب المادي كشف التجاوزات التي اعتادت هذه المدارس على ارتكابها، إنها مدارس أشبه ما تكون بالمستودعات لا تتوافر فيها أدنى مقومات السلامة الصحية أو الفكرية.
إن ازدياد أعداد المدارس الخاصة دون أن تتمتع بمؤهلات كافية تمكنها من لعب الدور المنوط فيها، وتكون غاية أصحابها في معظم الأحيان الكسب المادي، بالإضافة إلى واقعها غير المشجع من نقص التجهيزات والمباني قد يؤدي إلى زعزعة الثقة بالتعليم الخاص.
- عيوب أخرى:
ومن عيوب بعض المدارس الخاصة في المدن بُعد المسافة بين بيت الطالب والمدرسة، لأن معظم الناس يعيشون -إلى حد ما- بالقرب من المدارس الحكومية المخصصة للتجمعات السكانية، ويكون الطفل فيها قادراً على الذهاب مشياً، أو على دراجته، بعكس المدارس الخاصة، التي يصعب الوصول إليها إلا بحافلات مخصصة، أو من الأهل والأصدقاء، مما يخلق متاعب جمة للوصول إليها.
إضافة إلى كل ما سبق من عيوب، فهناك بعض المدارس العريقة، أو قديمة النشأة، تتحيز وتتمترس حول أفكارها ومعتقداتها، وطرائقها القديمة، ورفضها للأفكار والممارسات التربوية الجديدة، أو التعامل مع ما هو جديد من أفكار تخالفها، أو قد تغير من جذورها التي نشأت عليها، وبسببها حصلت على السمعة والشهرة. بالإضافة إلى محدودية الرقابة على هذه المدارس قد تسمح لهم بتنفيذ برامج قد تلاقي اعتراضاً من الأهالي لأنها لا تتناسب معهم.
وفي مجال آخر متعلق بشكوى أولياء الأمور من مخالفات المدارس الخاصة المستجدات الدائمة في المصاريف التي يعتبرها أولياء الأمور استغلالاً للطلبة مثل: (رسوم المطبوعات، الكتاب السنوي، الاحتفالات، النشاطات، وغيرها) بالإضافة إلى الفصل التعسفي الذي تلجأ إليه بعض المدارس الخاصة في حالات عديدة دون الرجوع إلى قرارات وزارة التربية والتعليم ولأسباب بسيطة مثل تدني مستوى الطالب، أو خطأ بسيط من والده في التعامل مع المعلمين.
ومن القضايا السلبية عدم توافر مجالس أولياء الأمور في كثير منها لمتابعة القضايا التي تخص طلاب المدرسة وملاحظات الأهالي، وعدم متابعة وتقييم عملها ومراقبة عمليات التقييم ومدى مطابقتها للشروط المعتمدة، وتأخر بعضها في توفير المعلمين لبعض المواد لفترات طويلة.
كذلك فإن المدارس الخاصة تواجه تحديات تختلف كلياً عن تلك التي تواجهها نظيراتها في القطاع العام حيث يحتاج معلموها إلى التدريب والتأهيل المستمرين للحفاظ على المستوى المطلوب وعدم اهتمام الكثير من المدارس الخاص بهذا الجانب قبل تعيين المعلمين في وظائف التعليم من أجل التوفير المالي أو قلة الإمكانيات ينعكس سلباً على أدائهم التعليمي.
وقضية مهمة يجدر بالباحثين والدارسين في المقارنة بين المدارس الخاصة والمدارس الحكومية يجب ذكرها، وهي أن مقارنة تحصيل الطلاب في القطاعين الحكومي والخاص يجب أن تكون في نهاية المرحلة التعليمية بدلاً من نهايتها، والسبب يعود في ذلك أنه لو تفوقت المدرسة (أ) على المدرسة (ب) في اختبار أعطي لطلاب الصف الثالث الأساسي مثلاً، ثم تساوى أداؤهم بعد ثلاث أو أربع سنوات دراسية، فإن أداء المدرسة (ب) يكون أفضل من أداء المدرسة (أ).
وأنه لا يمكن الحكم على أداء القطاعين من مجرد نتائج اختبارات مقننة تعطى للطلاب في لحظة معينة من الزمن، وإن المقارنة يجب أن تكون بين مقادير التغيير التي تحدثها المدارس الخاصة، أو الحكومية في الطلاب، وأضاف، حتى ذلك التغيير يجب ألا يفسر بأن سببه تفوق مدرسة على أخرى، بل إن هناك متغيرات يأتي بها الطالب معه عند التحاقه بالمدرسة، تتعلق بحالته الاجتماعية، ومستوى عائلته الاقتصادي والتعليمي، وكذلك صفاته الشخصية، وعوامل أخرى، مثل: عملية انتقاء الطلاب التي تقوم بها المدارس الخاصة.
لذلك أرى أن ما تحتاجه المدارس الحكومية والخاصة هو بناء ثقافة تربوية واحدة تسهم في خدمة الطالب، والابتعاد عن التلقين والتهميش، والتركيز على التفاعل الإيجابي بين المعلم والطالب والتعاون المستمر مع الأهل، ولا يساعدها أن تتمركز فيها الأصوليات الدينية أو الفكرية التي تؤول إلى رفض الآخر، ووجوب تنمية أفراد الهيئة التعليمية مهنياً في المجالات المتخصصة والعمل على الاهتمام بالمعلمين وتوفير حقوقهم التقاعدية، وتفعيل دور الأهالي في متابعة دورها كي تتمكن المدرسة من تأدية واجباتها الريادية والتي من أجلها تنفق الأسر أموالها.
وأرى أن التعليم الخاص، يوفر مزايا وعيوباً في الواقع المنظور، وكثير من العوامل السابقة قد لا تمس جميع الطلاب بنفس المستوى أو الطريقة أو التأثير، ولكنّ النظر في جميع هذه المسائل المذكورة عند اتخاذ قرار الوالدين في إلحاق أبنائهم في مدرسة خاصة ما، يوفر لهم معلومات كافية حول ما يجب عليهم أن ينتبهوا إليه عند اختيارهم بين مجموعة منها.
إلى اللقاء في الحلقة السابعة
غنام غنام
2020