
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن واله وبعد :
من منا لا يتمنى أن يكون أولاده صالحين ، وفي حياتهم ناجحين ، وفي خطواتهم موفقين ، وعند الناس محبوبين ؟
-إن القرآن الكريم ، والواقع المشاهد يؤكدان على أن صلاح الآباء واستقامتهم ، له دور كبير في صلاح الأبناء وتوفيقهم ، ذلك لأن للآباء دوراً كبيراً في تنشئة الأبناء ، وأثرا عميقاً في صلاحهم ، والوالد مرآة ابنه ، ومحل النظر الأول في الأسوة والقدوة ، فصلاح الأبناء مرتبط بصلاح الآباء ، وإذا فسد الآباء فسد الأبناء (ولا يستقيم الظل والعود أعوج).
-وفي سورة الكهف في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام قال تعالى على لسان الخضر : ( وَأَما الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبكَ}..لقد حفظ الله الكنز لليتيمين ببركة صلاح أبيهما ، وقد ذكر بعض المفسرين أنه كان الجد السادس ، أو السابع ، أو العاشر.
– يقول ابن كثير في تفسيره عن الآية : ( فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة ، بشفاعته فيهم ، ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم ).
-إن هذه الآية الكريمة تمثل قاعدة ربانية ، وكل أب أو أم يريدان الصلاح والنجاح لأبنائهما ، فعليهما ان يصلحا نفسيهما أولاً ، ويجدّا في طاعة الله والاستقامة على منهجه ، ليحفظ الله ذريتهما ، وأولادهما من بعدهما..
-وقد صح في الحديث : ( احفظ الله يحفظك ) ، وحفظ الله للعبد يكون بحفظه وحفظ ذريته من بعده.
-وذنوب الآباء لها أثر كبير في انحراف الأبناء ..قال أحد التابعين : ( إني لأذنب الذنب فأرى أثر ذلك الذنب على ولدي ) !!!
-ومن الشواهد على امتداد أثر صلاح الآباء للأبناء ما ذلك ما ذكره الإمام الغزالي في ( الإحياء ) : أن الإمام الشافعي لما مرض مَرَض موته، قال: مروا فلانًا يُغسلني ، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل وقال ائتوني بوصيته ، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم دَيْنًا ، فقضاها عنه وقال : هذا غسلي إياه. قال أبو سعيد الواعظ : لما قدِمتُ مصر بسنين طلبتُ منزل ذلك الرجل ، فدلوني عليه ، فرأيتُ جماعة من أحفاده وزرتهم ، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل ، فقلت : بلغ أثر الخير إليهم ، وظهرت بركته عليهم !!!
-وهذا سيد التابعين سعيد بن المُسَيب يقول: ( إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي ) .فهو يسعى لأن تنتقل بركة صلاحه إلى أولاده ، فيزيد في الصلاة…وهذا فقه قلّ من يفطن له !!!
أيها الآباء ، أيتها الأمهات :
-اتقوا الله ، وأصلحوا ما بينكم وبينه ، واحفظوا أوامره ونواهيه ، يحفظ أولادكم من بعدكم.
-أكثروا من الدعاء الصادق المخلص لأبنائكم ، كما قال الله تعالى : ( وأصلح لي في ذريتي ) ، ( ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة أعين ).
-أطيبوا مطعمكم ، ولا تطعموا أولادكم إلا من حلال ، فاللقمة الحرام لها أثر بالغ في الغواية والضلال !!!
-علموا أبناءكم ، وأحسنوا أدبهم ، ولا تقصروا في تربيتهم
..قال الإمام ابن القيم: ( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى ، فقد أساء إليه غاية الإساءة ، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم ، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه ، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا ).
وأختم هذا المقال بهذه الآثار :
قالُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : ( مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ إِلَّا حَفِظَهُ اللَّهُ فِي عَقِبِهِ وَعَقِبِ عَقِبِهِ ).
-وقالَ محمدُ بنُ المُنْكَدِرِ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَحْفَظُ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَالدُّوَيْرَاتِ الَّتِي حَوْلَهُ، فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللَّهِ وَسِتْرٍ ) .
-وَقَالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ : ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَيَحْفَظُ بِالعَبْدِ الصَّالِحِ القَبِيلَ مِنَ النَّاسِ ).
اللهم احفظنا في أنفسنا وأهلينا وذرياتنا، ، وأعنا على إصلاح أنفسنا يا رب العالمين