عن التخريب الأنيق أتكلم

ضج أهالي الخليل من حادثة تكسير آرمة على مدخل الخليل كتب عليها باللغة الإنجليزية “أنا أحب الخليل”؛ بالرغم من أنه لم يمض على تركيبها بضعة أيام، وبلا شك فان مثل هذا العمل لا يصدر الا عن جاهل سفيه لا ينتمي لهذا البلد بماضيه وحاضره الجميل.
لست مختصا بالشؤون التربوية حتى أتحدث عن الدوافع التي تدفع شبابنا وطلابنا لتكسير المرافق العامة، فهي ظاهرة منتشرة وبحاجة الى مختصين ليشخصوا الداء ويصفوا الدواء، بيد أني أحب في كثير من الحوادث أن أنظر للأمر من زوايا مختلفة، والسؤال الذي خطر ببالي: هل تخريب المرافق العامة هو أخطر أنواع التخريب أم أن هناك أنواع أخرى أشد ألما وأعظم أثرا ؟.
هل يمكن لك أن تتخيل رجل مرموق له مكانة في المجتمع يلبس بدلته الرسمية وينزل لتكسير يافطة هنا أو هناك؛ بلا شك أن هذا الأمر مستحيل، ولكننا ان أمعنا النظر في المصائب التي نواجهها والمآسي التي نعيشها نجد أن المسؤولين عنها هم في قمة الأناقة والحضارة.
الخليل كما فلسطين والوطن العربي لا يقتصر المخربون فيها على شباب تائه ضائع يحاول افراغ طاقاته السلبية في تكسير المرافق العامة، بل يتعداه الى أصحاب الفخامة والمعالي والسيادة، هؤلاء هم المخربون الحقيقيون الذين يتحملون مسؤولية المآسي والويلات التي وصل اليها الوطن العربي.
تخريبكم للتعليم من خلال المحسوبية والواسطة في التعيين، وافراغ المناهج من مضمونها وزيادة التفاهة على حساب الأصالة، لا بد أن يؤدي الى مخرجات تعليمية لا تؤسس لطالب ينتمي لدينه ووطنه.
دمرتم المساجد من خلال طمس دورها في ربط الشباب بدينهم ووطنهم، منعتم دور تحفيظ القرآن، وكبلتم الخطباء والمدرسون لكي لا يتكلموا في هموم الأمة؛ كان المسجد عبارة عن حاضنة تربي وتثقف شبابنا أما اليوم فبات يبكي شوقا لشبابه وأهله ودوره كما بكى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نشرتم الفساد، وسرقتم خيرات الشعب، وباتت الفجوة المالية بينكم وبين الشعب كبيرة؛ فأنتم تعيشون حياة الثراء المفرط والشعب يعيش حياة الفقر المدقع. المواطن الذي لا يجد قوت يومه أو لا يجد ما يداوي به ابنه كيف له أن يعشق بلده وأرضه؛ كيف له أن يحب يافطة تعطي مظهرا حضاريا وهو لم يعش الحضارة ولم يتزوق حلاوتها.
منعتم العمل الخيري والتضامن الاجتماعي، فبات المواطن يبات جائعا لا يدري عنه أحد؛ قد لا يكون الجوع من نقص الطعام والشراب ولكن الجوع الأقسى هو جوع المواطن للحياة الكريمة، فمن حقه أن ينزه أطفاله كباقي الشعب، ومن حقه أن يذهب للمطاعم ويقتني أجمل الملابس، من حقه أن يتعلم ويحصل على عمل كريم ويتزوج ويقتني بيت، حرمتوه من كل هذا ثم منعتم أهل الخير الذين كانوا يهبوا لإغاثة الناس ورفع مستوى معيشتهم ثم تطلبون منهم أن يحبوكم ويحبوا وطنهم !.
ببساطة يا سادة، قبل أن تعلقوا يافطات تعلن حب المواطن لأرضه ووطنه، ازرعوا هذا الحب في قلوب الناس، عيشوا همومهم وحلوا مشاكلهم، لا تسمحوا لأنفسكم أن تسرقوا أموالهم ولا تمنعوا أهل الخير من توجيههم ومساعدتهم، بعدها عندما يحبكم المواطن وتحبوه بصدق ستكون يافطاتكم بأمان.